responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 2  صفحة : 173
وَفِي بَيَانِ مَكَانِ إقَامَتِهِ، وَفِي بَيَانِ زَمَانِ الْإِقَامَةِ أَمَّا الْأَوَّلُ: فَالْهَدْيُ الْمَذْكُورُ فِي آيَةِ التَّمَتُّعِ اخْتَلَفَ فِيهِ الصَّحَابَةُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّهُمْ قَالُوا: هُوَ شَاةٌ، وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ، وَعَائِشَةَ: - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - أَنَّهُ بَدَنَةٌ أَوْ بَقَرَةٌ، وَالْحَاصِلُ: أَنَّ اسْمَ الْهَدْيِ يَقَعُ عَلَى الْإِبِلِ، وَالْبَقَرِ، وَالْغَنَمِ لَكِنَّ الشَّاةَ هَهُنَا مُرَادَةٌ مِنْ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ بِإِجْمَاعِ الْفُقَهَاءِ حَتَّى أَجْمَعُوا عَلَى جَوَازِهَا عَنْ الْمُتْعَةِ، وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَيْضًا: مَا رُوِيَ «عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ الْهَدْيِ فَقَالَ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَدْنَاهُ شَاةٌ» إلَّا أَنَّ الْبَدَنَةَ أَفْضَلُ مِنْ الْبَقَرَةِ، وَالْبَقَرَةُ أَفْضَلُ مِنْ الشَّاةِ لِقَوْلِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي تَفْسِيرِ الْهَدْيِ: أَدْنَاهُ شَاةٌ، فَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّ أَعْلَاهُ الْبَدَنَةُ وَالْبَقَرَةُ.
وَرُوِيَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ «الْمُبَكِّرُ إلَى الْجُمُعَةِ كَالْمُهْدِي بَدَنَةً ثُمَّ كَالْمُهْدِي بَقَرَةً ثُمَّ كَالْمُهْدِي شَاةً» .
وَكَذَا النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - سَاقَ الْبُدْنَ، وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ كَانَ يَخْتَارُ مِنْ الْأَعْمَالِ أَفْضَلَهَا، وَلِأَنَّ الْبَدَنَةَ أَكْثَرُ لَحْمًا وَقِيمَةً مِنْ الْبَقَرَةِ، وَالْبَقَرَةُ أَكْثَرُ لَحْمًا وَقِيمَةً مِنْ الشَّاةِ، فَكَانَ أَنْفَعَ لِلْفُقَرَاءِ فَكَانَ أَفْضَلَ.

وَأَمَّا وُجُوبُهُ فَإِنَّهُ وَاجِبٌ بِالْإِجْمَاعِ، وَبِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] أَيْ: فَعَلَيْهِ ذَبْحُ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ} [البقرة: 196] الْآيَةَ أَيْ فَحَلَقَ فَعَلَيْهِ فِدْيَةٌ، وَقَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] مَعْنَاهُ فَأَفْطَرَ فَلْيَصُمْ فِي عِدَّةٍ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ.

وَأَمَّا شَرْطُ وُجُوبِهِ فَالْقُدْرَةُ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ مَا اسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْيِ، وَلَا وُجُوبَ إلَّا عَلَى الْقَادِرِ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعَ إلَى أَهْلِهِ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} [البقرة: 196] .
مَعْنَاهُ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ الْهَدْيَ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ، وَسَبْعَةٍ إذَا رَجَعْتُمْ، وَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَصُومَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ بِلَا خِلَافٍ، وَهَلْ يَجُوزُ لَهُ بَعْدَ مَا أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ قَبْلَ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ، قَالَ أَصْحَابُنَا: يَجُوزُ سَوَاءٌ طَافَ لِعُمْرَتِهِ أَوْ لَمْ يَطُفْ بَعْدَ أَنْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ حَتَّى يُحْرِمَ بِالْحَجِّ، كَذَا ذَكَرَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ الْخِلَافَ.
وَذَكَرَ إمَامُ الْهُدَى أَبُو مَنْصُورٍ الْمَاتُرِيدِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْقِيَاسَ: أَنْ لَا يَجُوزَ مَا لَمْ يَشْرَعْ فِي الْحَجِّ، وَهُوَ قَوْلُ زُفَرَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 196] ، وَإِنَّمَا يَكُونُ فِي الْحَجِّ بَعْدَ الشُّرُوعِ فِيهِ، وَذَلِكَ بِالْإِحْرَامِ، وَلِأَنَّ عَلَى أَصْلِ الشَّافِعِيِّ دَمُ الْمُتْعَةِ دَمُ كَفَّارَةٍ وَجَبَ جَبْرًا لِلنَّقْصِ، وَمَا لَمْ يُحْرِمْ بِالْحَجِّ لَا يَظْهَرُ النَّقْصُ، وَلَنَا أَنَّ الْإِحْرَامَ بِالْعُمْرَةِ سَبَبٌ لِوُجُودِ الْإِحْرَامِ بِالْحَجَّةِ فَكَانَ الصَّوْمُ تَعْجِيلًا بَعْدَ وُجُودِ السَّبَبِ فَجَازَ، وَقَبْلَ وُجُودِ الْعُمْرَةِ لَمْ يُوجَدْ السَّبَبُ فَلَمْ يَجُزْ، وَلِأَنَّ السُّنَّةَ فِي الْمُتَمَتِّعِ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ عَشِيَّةَ التَّرْوِيَةِ.
كَذَا رُوِيَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَمَرَ أَصْحَابَهُ بِذَلِكَ، وَإِذَا كَانَتْ السُّنَّةُ فِي حَقِّهِ الْإِحْرَامَ بِالْحَجِّ عَشِيَّةَ التَّرْوِيَةِ فَلَا يُمْكِنُهُ صِيَامُ الثَّلَاثَةِ الْأَيَّامِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَإِنَّمَا بَقِيَ لَهُ يَوْمٌ وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ أَيَّامَ النَّحْرِ وَالتَّشْرِيقِ قَدْ نُهِيَ عَنْ الصِّيَامِ فِيهَا، فَلَا بُدَّ مِنْ الْحُكْمِ بِجَوَازِ الصَّوْمِ بَعْدَ إحْرَامِ الْعُمْرَةِ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْحَجِّ.
وَأَمَّا الْآيَةُ فَقَدْ قِيلَ فِي تَأْوِيلِهَا: إنَّ الْمُرَادَ مِنْهَا وَقْتُ الْحَجِّ، وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ إذْ الْحَجُّ لَا يَصْلُحُ ظَرْفًا لِلصَّوْمِ، وَالْوَقْتُ يَصْلُحُ ظَرْفًا لَهُ فَصَارَ تَقْدِيرُ الْآيَةِ الشَّرِيفَةِ: فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي وَقْتِ الْحَجِّ، كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى: {الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ} [البقرة: 197] أَيْ وَقْتُ الْحَجِّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ، وَعَلَى هَذَا صَارَتْ الْآيَةُ الشَّرِيفَةُ حُجَّةً لَنَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ عَلَى الْمُتَمَتِّعِ صِيَامَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي وَقْتِ الْحَجِّ، وَهُوَ أَشْهُرُ الْحَجِّ، وَقَدْ صَامَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَجَازَ إلَّا أَنَّ زَمَانَ مَا قَبْلَ الْإِحْرَامِ صَارَ مَخْصُوصًا مِنْ النَّصِّ، وَالْأَفْضَلُ أَنْ يَصُومَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ آخِرُهَا يَوْمُ عَرَفَةَ بِأَنْ يَصُومَ قَبْلَ التَّرْوِيَةِ بِيَوْمٍ، وَيَوْمَ التَّرْوِيَةِ، وَيَوْمَ عَرَفَةَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ صِيَامَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ بَدَلًا عَنْ الْهَدْيِ، وَأَفْضَلُ أَوْقَاتِ الْبَدَلِ وَقْتُ الْيَأْسِ عَنْ الْأَصْلِ لِمَا يَحْتَمِلُ الْقُدْرَةَ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَهُ، وَلِهَذَا كَانَ الْأَفْضَلُ تَأْخِيرَ التَّيَمُّمِ إلَى آخِرِ وَقْتِ الصَّلَاةِ لِاحْتِمَالِ وُجُودِ الْمَاءِ قَبْلَهُ، وَهَذِهِ الْأَيَّامُ آخِرُ وَقْتِ هَذَا الصَّوْمِ عِنْدَنَا، فَإِذَا مَضَتْ وَلَمْ يَصُمْ فِيهَا فَقَدْ فَاتَ الصَّوْمُ وَسَقَطَ عَنْهُ، وَعَادَ الْهَدْيُ، فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ يَتَحَلَّلُ، وَعَلَيْهِ دَمَانِ: دَمُ التَّمَتُّعِ، وَدَمُ التَّحَلُّلِ قَبْلَ الْهَدْيِ.
وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا يَفُوتُ بِمُضِيِّ هَذِهِ الْأَيَّامِ، ثُمَّ لَهُ قَوْلَانِ: فِي قَوْلٍ يَصُومُهَا فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ، وَفِي قَوْلٍ يَصُومُهَا بَعْدَ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ.
وَالصَّحِيحُ قَوْلُنَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ} [البقرة: 196] أَيْ فِي وَقْتِ الْحَجِّ لِمَا بَيَّنَّا عَيْنَ وَقْتِ الْحَجِّ لِصَوْمِ هَذِهِ الْأَيَّامِ، إلَّا أَنَّ يَوْمَ النَّحْرِ خَرَجَ مِنْ أَنْ

اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 2  صفحة : 173
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست