responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 2  صفحة : 174
يَكُونَ وَقْتًا لِهَذَا الصَّوْمِ بِالْإِجْمَاعِ، وَمَا رَوَاهُ لَيْسَ وَقْتَ الْحَجِّ، فَلَا يَكُونُ مَحِلًّا لِهَذَا الصَّوْمِ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: الْمُتَمَتِّعُ إنَّمَا يَصُومُ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ، وَعَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ رَجُلًا أَتَاهُ يَوْمَ النَّحْرِ، وَهُوَ مُتَمَتِّعٌ لَمْ يَصُمْ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: اذْبَحْ شَاةً، فَقَالَ الرَّجُلُ مَا أَجِدُهَا، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ سَلْ قَوْمَكَ، فَقَالَ: لَيْسَ هَهُنَا مِنْهُمْ أَحَدٌ، فَقَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: يَا مُغِيثُ أَعْطِهِ عَنِّي ثَمَنَ شَاةٍ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ سَمَاعًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -؛ لِأَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ لَا يُعْرَفُ رَأْيًا وَاجْتِهَادًا.
وَأَمَّا صَوْمُ السَّبْعَةِ، فَلَا يَجُوزُ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ بِالْإِجْمَاعِ، وَهَلْ يَجُوزُ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ بِمَكَّةَ قَبْلَ الرُّجُوعِ إلَى الْأَهْلِ؟ قَالَ أَصْحَابُنَا: يَجُوزُ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجُوزُ إلَّا بَعْدَ الرُّجُوعِ إلَى الْأَهْلِ إلَّا إذَا نَوَى الْإِقَامَةَ بِمَكَّةَ فَيَصُومُهَا بِمَكَّةَ فَيَجُوزُ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 196] أَيْ إذَا رَجَعْتُمْ إلَى أَهْلِيكُمْ، وَلَنَا هَذِهِ الْآيَةُ بِعَيْنِهَا؛ لِأَنَّهُ قَالَ عَزَّ وَجَلَّ: {إِذَا رَجَعْتُمْ} [البقرة: 196] مُطْلَقًا، فَيَقْتَضِي أَنَّهُ إذَا رَجَعَ مِنْ مِنًى إلَى مَكَّةَ، وَصَامَهَا يَجُوزُ، وَهَكَذَا قَالَ بَعْضُ أَهْلِ التَّأْوِيلِ: إذَا رَجَعْتُمْ مِنْ مِنًى.
وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إذَا فَرَغْتُمْ مِنْ أَفْعَالِ الْحَجِّ، وَقِيلَ: إذَا أَتَى وَقْتُ الرُّجُوعِ.
وَلَوْ وَجَدَ الْهَدْيَ قَبْلَ أَنْ يَشْرَعَ فِي صَوْمِ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَوْ فِي خِلَالِ الصَّوْمِ أَوْ بَعْدَ مَا صَامَ فَوَجَدَهُ فِي أَيَّامِ النَّحْرِ قَبْلَ أَنْ يَحْلِقَ أَوْ يُقَصِّرَ: يَلْزَمُهُ الْهَدْيُ، وَيَسْقُطُ حُكْمُ الصَّوْمِ عِنْدَنَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَلْزَمُهُ الْهَدْيُ، وَلَا يَبْطُلُ حُكْمُ الصَّوْمِ، وَالصَّحِيحُ قَوْلُنَا؛ لِأَنَّ الصَّوْمَ بَدَلٌ عَنْ الْهَدْيِ، وَقَدْ قَدَرَ عَلَى الْأَصْلِ قَبْلَ حُصُولِ الْمَقْصُودِ بِالْبَدَلِ فَبَطَل حُكْمُ الْبَدَلِ كَمَا لَوْ وَجَدَ الْمَاءَ فِي خِلَالِ التَّيَمُّمِ.
وَلَوْ وَجَدَ الْهَدْيَ فِي أَيَّامِ الذَّبْحِ أَوْ بَعْدَ مَا حَلَقَ أَوْ قَصَّرَ فَحَلَّ قَبْلَ أَنْ يَصُومَ السَّبْعَةَ صَحَّ صَوْمُهُ، وَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْهَدْيُ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ الْبَدَلِ، وَهُوَ التَّحَلُّلُ قَدْ حَصَلَ، فَالْقُدْرَةُ عَلَى الْأَصْلِ بَعْدَ ذَلِكَ لَا تُبْطِلُ حُكْمَ الْبَدَلِ كَمَا لَوْ صَلَّى بِالتَّيَمُّمِ ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ، وَاخْتَلَفَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ، وَأَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْجُرْجَانِيُّ فِي صَوْمِ السَّبْعَةِ قَالَ الْجُرْجَانِيُّ: إنَّهُ لَيْسَ بِبَدَلٍ؛ بِدَلِيلِ أَنَّهُ يَجُوزُ مَعَ وُجُودِ الْهَدْيِ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَا جَوَازَ لِلْبَدَلِ مَعَ وُجُودِ الْأَصْلِ كَمَا فِي التُّرَابِ مَعَ الْمَاءِ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
وَقَالَ الرَّازِيّ: إنَّهُ بَدَلٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ إلَّا حَالَ الْعَجْزِ عَنْ الْأَصْلِ، وَجَوَازُهُ حَالَ وُجُودِ الْأَصْلِ لَا يُخْرِجُهُ عَنْ كَوْنِهِ بَدَلًا.
وَلَوْ صَامَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، وَلَمْ يَحِلَّ حَتَّى مَضَتْ أَيَّامُ الذَّبْحِ ثُمَّ وَجَدَ الْهَدْيَ فَصَوْمُهُ مَاضٍ، وَلَا هَدْيَ عَلَيْهِ، كَذَا رَوَى الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ؛ لِأَنَّ الذَّبْحَ يَتَوَقَّتُ بِأَيَّامِ الذَّبْحِ عِنْدَنَا، فَإِذَا مَضَتْ فَقَدْ حَصَلَ الْمَقْصُودُ، وَهُوَ إبَاحَةُ التَّحَلُّلِ فَكَأَنَّهُ تَحَلَّلَ ثُمَّ وَجَدَ الْهَدْيَ.

وَأَمَّا صِفَةُ الْوَاجِبِ فَقَدْ اُخْتُلِفَ فِيهَا، قَالَ أَصْحَابُنَا: إنَّهُ دَمُ نُسُكٍ وَجَبَ شُكْرًا لِمَا وُفِّقَ لِلْجَمْعِ بَيْنَ النُّسُكَيْنِ بِسَفَرٍ وَاحِدٍ فَلَهُ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ، وَيُطْعِمَ مِنْ شَاءَ، غَنِيًّا كَانَ الْمُطْعَمُ أَوْ فَقِيرًا وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَأْكُلَ الثُّلُثَ، وَيَتَصَدَّقَ بِالثُّلُثِ، وَيُهْدِيَ الثُّلُثَ لِأَقْرِبَائِهِ وَجِيرَانِهِ، سَوَاءٌ كَانُوا فُقَرَاءَ أَوْ أَغْنِيَاءَ كَدَمِ الْأُضْحِيَّةَ لِقَوْلِهِ عَزَّ وَجَلَّ: {فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ} [الحج: 28] .
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: إنَّهُ دَمُ كَفَّارَةٍ وَجَبَ جَبْرًا لِلنَّقْصِ بِتَرْكِ إحْدَى السَّفْرَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْإِفْرَادَ أَفْضَلُ عِنْدَهُ لَا يَجُوزُ لِلْغَنِيِّ أَنْ يَأْكُلَ مِنْهُ، وَسَبِيلُهُ سَبِيلُ دِمَاءِ الْكَفَّارَاتِ.
وَأَمَّا الْقَارِنُ فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُتَمَتِّعِ فِي وُجُوبِ الْهَدْيِ عَلَيْهِ إنْ وَجَدَ، وَالصَّوْمُ إنْ لَمْ يَجِدْ، وَإِبَاحَةُ الْأَكْلِ مِنْ لَحْمِهِ لِلْغَنِيِّ وَالْفَقِيرِ؛ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْمُتَمَتِّعِ فِيمَا لِأَجْلِهِ وَجَبَ الدَّمُ، وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْحَجَّةِ، وَالْعُمْرَةِ فِي سَفَرٍ وَاحِدٍ.
وَقَدْ رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ قَارِنًا فَنَحَرَ الْبُدْنَ، وَأَمَرَ عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - فَأَخَذَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ قِطْعَةً فَطَبَخَهَا، وَأَكَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ لَحْمِهَا، وَحَسَا مِنْ مَرَقِهَا» .

وَأَمَّا مَكَانُ هَذَا الدَّمِ فَالْحَرَمُ، لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَالْهَدْيَ مَعْكُوفًا أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ} [الفتح: 25] ، وَمَحِلُّهُ الْحَرَمُ، وَالْمُرَادُ مِنْهُ هَدْيُ الْمُتْعَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ} [البقرة: 196] وَالْهَدْيُ اسْمٌ لِمَا يُهْدَى إلَى بَيْتِ اللَّهِ الْحَرَامِ أَيْ يُبْعَثُ، وَيُنْقَلُ إلَيْهِ.

وَأَمَّا زَمَانُهُ فَأَيَّامُ النَّحْرِ حَتَّى لَوْ ذَبَحَ قَبْلَهَا لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ دَمُ نُسُكٍ عِنْدَنَا فَيَتَوَقَّتُ بِأَيَّامِ النَّحْرِ كَالْأُضْحِيَّةِ.

وَأَمَّا بَيَانُ أَفْضَلِ أَنْوَاعِ مَا يُحْرِمُ بِهِ فَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّ الْقِرَانَ أَفْضَلُ، ثُمَّ التَّمَتُّعَ، ثُمَّ الْإِفْرَادَ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْإِفْرَادَ أَفْضَلُ مِنْ التَّمَتُّعِ، وَبِهِ أَخَذَ الشَّافِعِيُّ.
وَقَالَ مَالِكٌ: التَّمَتُّعُ أَفْضَلُ.
وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الرَّدِّ عَلَى أَهْلِ الْمَدِينَةِ أَنَّ حَجَّةً كُوفِيَّةً، وَعُمْرَةً كُوفِيَّةً أَفْضَلُ، احْتَجَّ الشَّافِعِيُّ بِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَفْرَدَ بِالْحَجِّ عَامَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ» فَدَلَّ أَنَّ الْإِفْرَادَ أَفْضَلُ؛ إذْ هُوَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَخْتَارُ مِنْ الْأَعْمَالِ أَفْضَلَهَا.
وَلَنَا أَنَّ الْمَشْهُورَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَرَنَ بَيْنَ الْحَجِّ، وَالْعُمْرَةِ» رَوَاهُ عُمَرُ وَعَلِيٌّ وَابْنُ عَبَّاسٍ

اسم الکتاب : بدائع الصنائع في ترتيب الشرائع المؤلف : الكاساني، علاء الدين    الجزء : 2  صفحة : 174
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست