responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري المؤلف : ابن نجيم، زين الدين    الجزء : 1  صفحة : 120
احْتِرَازًا عَمَّا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْهَا، فَإِنَّ خَرْأَهُ نَجِسٌ وَسَنَذْكُرُهُ صَرِيحًا فِي بَابِ الْأَنْجَاسِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ طَاهِرٌ كَخَرْءِ مَأْكُولِ اللَّحْمِ مِنْهَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَصَحَّحَ قَاضِي خان فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الصَّغِيرِ نَجَاسَتَهُ وَسَنَتَكَلَّمُ عَلَيْهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي بَابِ الْأَنْجَاسِ.

(قَوْلُهُ: وَبَوْلُ مَا يُؤْكَلُ نَجِسٌ) إنَّمَا ذَكَرَهَا هُنَا، وَإِنْ كَانَ مَحَلُّهَا بَابَ الْأَنْجَاسِ لِبَيَانِ أَنَّهُ إذَا وَقَعَ فِي الْبِئْرِ نَجَّسَ مَاءَهَا، وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - طَاهِرٌ فَلَا يُنْزَحُ الْمَاءُ مِنْ وُقُوعِهِ إلَّا إذَا غَلَبَ عَلَى الْمَاءِ فَيَخْرُجُ مِنْ أَنْ يَكُونَ طَهُورًا لِمَا رَوَاهُ الْأَئِمَّةُ السِّتَّةُ فِي كُتُبِهِمْ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ «أَنَّ نَاسًا مِنْ عُرَيْنَةَ اجْتَوَوْا الْمَدِينَةَ فَرَخَّصَ لَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ يَأْتُوا إبِلَ الصَّدَقَةِ وَيَشْرَبُوا مِنْ أَلْبَانِهَا وَأَبْوَالِهَا فَقَتَلُوا الرَّاعِيَ وَاسْتَاقُوا الذَّوْدَ فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأُتِيَ بِهِمْ فَقَطَّعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَلَ أَعْيُنَهُمْ وَتَرَكَهُمْ بِالْحَرَّةِ يَعَضُّونَ الْحِجَارَةَ» وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ «وَتَرَكَهُمْ فِي الْحَرَّةِ يَسْتَسْقُونَ فَلَا يُسْقَوْنَ حَتَّى مَاتُوا» وَفِي رِوَايَةٍ مُتَّفَقٍ عَلَيْهَا أَنَّهُمْ ثَمَانِيَةٌ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَعُرَنَةُ وَادٍ بِحِذَاءِ عَرَفَاتٍ وَبِتَصْغِيرِهَا سُمِّيَتْ عُرَيْنَةَ، وَهِيَ قَبِيلَةٌ يُنْسَبُ إلَيْهَا الْعُرَنِيُّونَ، وَإِنَّمَا سَقَطَتْ يَاءُ التَّصْغِيرِ عِنْدَ النِّسْبَةِ لِمَا أَنَّ يَاءَ فَعِيلَةٍ وَفُعَيْلَةٍ يَسْقُطَانِ عِنْدَ النِّسْبَةِ قِيَاسًا مُطَّرَدًا فَيُقَالُ حَنَفِيٌّ وَمَدَنِيٌّ وَجُهَنِيٌّ وَعَقْلِيٌّ فِي حَنِيفَةَ وَمَدِينَةً وَجُهَيْنَةَ وَعَقِيلَةَ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَغَيْرِهِ
وَقَوْلُهُ اجْتَوَوْهَا هُوَ بِالْجِيمِ وَالْمُثَنَّاةِ فَوْقُ وَمَعْنَاهُ اسْتَوْخَمُوهَا كَمَا فَسَّرَهَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى أَيْ لَمْ تُوَافِقْهُمْ وَكَرِهُوهَا لِسَقَمٍ أَصَابَهُمْ قَالُوا، وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ الْجَوَى، وَهُوَ دَاءٌ فِي الْجَوْفِ وَمَعْنَى سَمَّرَ أَعْيُنَهُمْ بِالرَّاءِ كَحَّلَهَا بِمَسَامِيرَ وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ سَمَّلَ بِاللَّامِ بِمَعْنَى فَقَأَهَا وَأَذْهَبَ مَا فِيهَا كَذَا ذَكَرَ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ مُسْلِمٍ مِنْ الْقِصَاصِ وَلَهُمَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اسْتَنْزِهُوا مِنْ الْبَوْلِ فَإِنَّ عَامَّةَ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْهُ» أَخْرَجَهُ الْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ الشَّيْخَيْنِ وَلَا أَعْرِفُ لَهُ عِلَّةً كَذَا ذَكَرَهُ الزَّيْلَعِيُّ الْمَخْرَجُ وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَفِي بَعْضِ نُسَخِ الْأَحَادِيثِ عَنْ مَكَانَ مِنْ وَفِي الْمُغْرِبِ، وَأَمَّا قَوْلُهُمْ اسْتَنْزِهُوا الْبَوْلَ لَحْنٌ وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَجْهُ مُنَاسَبَةِ عَذَابِ الْقَبْرِ مَعَ تَرْكِ اسْتِنْزَاهِ الْبَوْلِ هُوَ أَنَّ الْقَبْرَ أَوَّلُ مَنْزِلَةٍ مِنْ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ وَالِاسْتِنْزَاهُ أَوَّلُ مَنْزِلٍ مِنْ مَنَازِلِ الطَّهَارَةِ وَالصَّلَاةُ أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْمَرْءُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَكَانَتْ الطَّهَارَةُ أَوَّلَ مَا يُعَذَّبُ بِتَرْكِهَا فِي أَوَّلِ مَنْزِلٍ مِنْ مَنَازِلِ الْآخِرَةِ وَفِي غَايَةِ الْبَيَانِ وَجْهُ التَّمَسُّكِ بِهِ أَنَّ الْبَوْلَ يَشْمَلُ كُلَّ بَوْلٍ بِعُمُومِهِ وَقَدْ أَلْحَقَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَعِيدَ عَذَابِ الْقَبْرِ بِتَرْكِ اسْتِنْزَاهِ الْبَوْلِ مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ بَوْلَ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ نَجِسٌ؛ لِأَنَّ الْحَلَالَ لَا يَتَحَقَّقُ بِمُبَاشَرَتِهِ وَعِيدٌ اهـ.
وَأَجَابَ فِي الْهِدَايَةِ عَنْ حَدِيثِ الْعُرَنِيِّينَ بِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَرَّفَ شِفَاءَهُمْ فِيهِ وَحْيًا وَزَادَ شَارِحُوهَا كَالْأَتْقَانِيِّ وَالْكَاكِيِّ جَوَابًا آخَرَ بِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ ثُمَّ نُسِخَ بَعْدَ أَنْ نَزَلَتْ الْحُدُودُ أَلَا تَرَى «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَطَعَ أَيْدِيَهُمْ وَأَرْجُلَهُمْ وَسَمَّلَ أَعْيُنَهُمْ حِينَ ارْتَدُّوا وَاسْتَاقُوا الْإِبِلَ» وَلَيْسَ جَزَاءُ الْمُرْتَدِّ إلَّا الْقَتْلَ فَعُلِمَ أَنَّ إبَاحَةَ الْبَوْلِ انْتَسَخَتْ كَالْمُثْلَةِ اهـ.
وَذَكَرَ الْأُصُولِيُّونَ مِنَّا أَنَّ الْعَامَّ قَبْلَ الْخُصُوصِ يُوجِبُ الْحُكْمَ فِيمَا تَنَاوَلَهُ قَطْعًا كَالْخَاصِّ حَتَّى يَجُوزَ نَسْخُ الْخَاصِّ بِالْعَامِّ عِنْدَنَا كَحَدِيثِ الْعُرَنِيِّينَ وَرَدَ فِي أَبْوَالِ الْإِبِلِ، وَهُوَ خَاصٌّ نُسِخَ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «اسْتَنْزِهُوا مِنْ الْبَوْلِ» ؛ لِأَنَّ الْبَوْلَ عَامٌّ؛ لِأَنَّ اللَّامَ فِيهِ لِلْجِنْسِ فِي ضِمْنِ الْمُشَخِّصَاتِ فَيُحْمَلُ عَلَى جَمِيعِهَا إذْ لَا عَهْدَ وَحَدِيثُ الْعُرَنِيِّينَ مُتَقَدِّمٌ؛ لِأَنَّ الْمُثْلَةَ الَّتِي تَضَمَّنَتْهَا مَنْسُوخَةٌ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّهَا كَانَتْ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ. اهـ.
وَهَذَا كُلُّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّ قِصَّةَ الْعُرَنِيِّينَ تَضَمَّنَتْ مُثْلَةً وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي الْهِدَايَةِ مِنْ كِتَابِ الْجِهَادِ فَقَالَ وَالْمُثْلَةُ الْمَرْوِيَّةُ فِي قِصَّةِ الْعُرَنِيِّينَ مَنْسُوخَةٌ بِالنَّهْيِ الْمُتَأَخِّرِ وَأَرَادَ بِالنَّهْيِ الْمُتَأَخِّرِ مَا ذَكَرَهُ الْبَيْهَقِيُّ عَنْ أَنَسٍ قَالَ «مَا خَطَبَنَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ ذَلِكَ خُطْبَةً إلَّا نَهَى فِيهَا عَنْ الْمُثْلَةِ» وَقَدْ أَنْكَرَ بَعْضُهُمْ كَوْنَ الْوَاقِعِ فِي قِصَّتِهِمْ كَمَا رَوَى ابْنُ سَعْدٍ فِي
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَبَوْلُ مَا يُؤْكَلُ نَجِسٌ) أَيْ نَجَاسَةً خَفِيفَةً عِنْدَهُمَا كَمَا فِي التَّبْيِينِ وَالْمِفْتَاحِ وَالْيَنَابِيعِ وَالْهِدَايَةِ وَالنُّتَفِ وَالْوُقَايَةِ وَالنُّقَايَةِ وَعُيُونِ الْكَافِي وَغَيْرِهَا وَفِي الْمُضْمَرَاتِ أَنَّ نَجَاسَتَهُ غَلِيظَةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَخَفِيفَةٌ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَالْفَتْوَى عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْبَدَنِ وَعَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فِي الثَّوْبِ وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ فِي الْحِنْطَةِ كَمَا فِي الْبُرْجَنْدِيِّ اهـ مِنْ شَرْحِ الشَّيْخِ إسْمَاعِيلَ النَّابُلُسِيِّ عَلَى الدُّرَرِ وَالْغُرَرِ.

اسم الکتاب : البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري المؤلف : ابن نجيم، زين الدين    الجزء : 1  صفحة : 120
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست