responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري المؤلف : ابن نجيم، زين الدين    الجزء : 1  صفحة : 119
مِنْهُ وَاخْتَلَفُوا فِي حَدِّ الْكَثِيرِ عَلَى أَقْوَالٍ صُحِّحَ مِنْهَا قَوْلَانِ فِي النِّهَايَةِ أَنَّهُ مَا لَا يَخْلُو دَلْوٌ عَنْ بَعْرَةٍ وَعَزَاهُ إلَى الْمَبْسُوطِ وَصَحَّحَ فِي الْبَدَائِعِ وَالْكَافِي لِلْمُصَنَّفِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ أَنَّ الْكَثِيرَ مَا يَسْتَكْثِرُهُ النَّاظِرُ وَالْقَلِيلُ مَا يَسْتَقِلُّهُ وَفِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ هُوَ الْمُخْتَارُ وَفِي الْهِدَايَةِ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ قَالَ فِي الْعِنَايَةِ، وَإِنَّمَا قَالَ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ؛ لِأَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَا يُقَدِّرُ شَيْئًا بِالرَّأْيِ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْمَسَائِلِ الَّتِي تَحْتَاجُ إلَى التَّقْدِيرِ فَكَانَ هَذَا مُوَافِقًا لِمَذْهَبِهِ اهـ.
فَظَهَرَ بِهَذَا أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَتْنِ مِنْ أَنَّ الْبَعْرَتَيْنِ لَا يُنَجِّسَانِ لِلْإِشَارَةِ إلَى أَنَّ الثَّلَاثَ تُنَجِّسُ إنَّمَا هُوَ عَلَى قَوْلٍ ضَعِيفٍ مَبْنِيٍّ عَلَى مَا وَقَعَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ مِنْ قَوْلِهِ، فَإِنْ وَقَعَتْ فِيهَا بَعْرَةٌ أَوْ بَعْرَتَانِ لَمْ يَفْسُدْ الْمَاءُ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ الثَّلَاثَ تُفْسِدُ بِنَاءً عَلَى أَنَّ مَفْهُومَ الْعَدَدِ فِي الرِّوَايَةِ مُعْتَبَرٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُعْتَبَرًا فِي الدَّلَائِلِ عِنْدَنَا عَلَى الصَّحِيحِ
وَهَذَا الْفَهْمُ إنَّمَا يَتِمُّ لَوْ اقْتَصَرَ مُحَمَّدٌ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ عَلَى هَذِهِ الْعِبَارَةِ وَلَكِنَّهُ لَمْ يَقْتَصِرْ عَلَيْهَا، فَإِنَّهُ قَالَ إذَا وَقَعَتْ بَعْرَةٌ أَوْ بَعْرَتَانِ فِي الْبِئْرِ لَا يَفْسُدُ مَا لَمْ يَكُنْ كَثِيرًا فَاحِشًا وَالثَّلَاثُ لَيْسَ بِكَثِيرٍ فَاحِشٍ كَذَا نَقَلَ عِبَارَةَ الْجَامِعِ فِي الْمُحِيطِ وَغَيْرِهِ، وَلَوْ جُعِلَ قَائِلُ الْحَدِّ الْفَاصِلِ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ أَنَّ مَا غَيَّرَ أَحَدَ أَوْصَافِ الْمَاءِ كَانَ كَثِيرًا وَمَا لَمْ يُغَيِّرْهُ يَكُونُ قَلِيلًا لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ كَذَا فِي شَرْحِ مُنْيَةِ الْمُصَلِّي وَبَعَدَ يُبْعَرُ مِنْ حَدِّ مَنَعَ وَالرَّوْثُ لِلْفَرَسِ وَالْحِمَارُ مِنْ رَاثَ يُقَالُ مِنْ حَدِّ نَصْرٍ وَالْخِثَى بِكَسْرِ الْخَاءِ وَاحِدٌ الْأَخْثَاءِ لِلْبَقَرِ يُقَالُ مِنْ بَابِ ضَرَبَ كَذَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَغَيْرِهِ.

(قَوْلُهُ: وَخَرْءُ حَمَامٍ وَعُصْفُورٍ) أَيْ لَا يُنْزَحُ مَاءُ الْبِئْرِ بِوُقُوعِ خَرْءِ حَمَامٍ وَعُصْفُورٍ فِيهَا وَالْخَرْءُ بِالْفَتْحِ وَاحِدُ الْخُرُوءِ بِالضَّمِّ مِثْلُ قُرْءٍ وَقُرُوءٍ وَعَنْ الْجَوْهَرِيِّ أَنَّهُ بِالضَّمِّ كَجُنْدٍ وَجُنُودٍ وَالْوَاوُ بَعْدَ الرَّاءِ غَلَطٌ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ، وَإِنَّمَا لَا يُنْزَحُ مَاؤُهَا مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِنَجِسٍ عِنْدَنَا عَلَى مَا اخْتَارَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَكَثِيرٍ مِنْ الْكُتُبِ وَذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ وَمِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ اخْتِلَافَ الْمَشَايِخِ فِي نَجَاسَتِهِ وَطَهَارَتِهِ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى سُقُوطِ النَّجَاسَةِ لَكِنْ عِنْدَ الْبَعْضِ السُّقُوطُ مِنْ الْأَصْلِ لِلطَّهَارَةِ وَعِنْدَ آخَرِينَ لِلضَّرُورَةِ اهـ.
وَلَمْ يَذْكُرَا فَائِدَةَ هَذَا الِاخْتِلَافِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ نَجِسٌ، وَهُوَ الْقِيَاسُ؛ لِأَنَّهُ اسْتَحَالَ إلَى نَتَنٍ وَفَسَادٍ فَأَشْبَهَ خَرْءَ الدَّجَاجِ وَلَنَا الْإِجْمَاعُ الْعَمَلِيُّ، فَإِنَّهَا فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ مُقِيمَةٌ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ مِنْ أَحَدٍ مِنْ الْعُلَمَاءِ مَعَ الْعِلْمِ بِمَا يَكُونُ مِنْهَا مَعَ وُرُودِ الْأَمْرِ بِتَطْهِيرِ الْمَسَاجِدِ فِيمَا رَوَاهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي صَحِيحِهِ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَغَيْرُهُ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - قَالَتْ «أَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِبِنَاءِ الْمَسَاجِدِ فِي الدُّورِ وَأَنْ تُنَظَّفَ وَتُطَيَّبَ» «وَعَنْ سَمُرَة - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ كَتَبَ إلَى بَنِيهِ أَمَّا بَعْدُ، فَإِنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَأْمُرُنَا أَنْ نَضَعَ الْمَسَاجِدَ فِي دُورِنَا وَنُصْلِحَ صَنْعَتَهَا وَنُطَهِّرَهَا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَسَكَتَ عَلَيْهِ ثُمَّ الْمُنْذِرِيُّ بَعْدَهُ كَذَا ذَكَرَهُ الْحَافِظُ الزَّيْلَعِيُّ.
وَرَوَى أَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَكَرَ الْحَمَامَةَ فَقَالَ أَنَّهَا أَوْكَرَتْ عَلَى بَابِ الْغَارِ فَجَزَاهَا اللَّهُ تَعَالَى بِأَنْ جَعَلَ الْمَسَاجِدَ مَأْوَاهَا» فَهَذَا دَلِيلُ طَهَارَةِ خَرْئِهَا وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ خَرَأَتْ عَلَيْهِ حَمَامَةٌ فَمَسَحَهَا بِإِصْبَعِهِ وَكَذَلِكَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - زَرَقَ عَلَيْهِ طَيْرٌ فَمَسَحَهُ بِحَصَاةٍ ثُمَّ صَلَّى كَذَا فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ وَالنِّهَايَةِ
وَأَمَّا ذِكْرُهُ مِنْ الِاسْتِحَالَةِ فَهِيَ لَا إلَى نَتْنِ رَائِحَةٍ فَأَشْبَهَ الطِّينَ الَّذِي فِي قَعْرِ الْبِئْرِ، فَإِنَّ فِيهِ الْفَسَادَ أَيْضًا وَلَيْسَ بِنَجِسٍ؛ لِأَنَّهُ لَا إلَى نَتَنِ رَائِحَةٍ وَيُشْكَلُ هَذَا بِالْمَنِيِّ عَلَى قَوْلِهِ قَالَ فِي النِّهَايَةِ ثُمَّ الِاسْتِحَالَةُ إلَى فَسَادٍ لَا تُوجِبُ النَّجَاسَةَ لَا مَحَالَةَ، فَإِنَّ سَائِرَ الْأَطْعِمَةِ إذَا فَسَدَتْ لَا تُنَجَّسُ بِهِ؛ لِأَنَّ التَّغَيُّرَ إلَى الْفَسَادِ لَا يُوجِبُ النَّجَاسَةَ اهـ.
وَبِهَذَا يُعْلَمُ ضَعْفُ مَا ذَكَرَهُ فِي الْخِزَانَةِ مِنْ أَنَّ الطَّعَامَ إذَا تَغَيَّرَ وَاشْتَدَّ تَغَيُّرُهُ تَنَجَّسَ، وَإِنْ حَمَلَ مَا فِي النِّهَايَةِ عَلَى مَا إذَا لَمْ يَشْتَدَّ تُغَيِّرْهُ لِيَجْمَعَ بَيْنَهُمَا فَهُوَ بَعِيدٌ وَالظَّاهِرُ مَا فِي النِّهَايَةِ؛ لِأَنَّهُ لَا مُوجِبَ لِتَنْجِيسِهِ، وَإِنَّمَا حَرُمَ أَكْلُهُ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ لِلْإِيذَاءِ كَاللَّحْمِ إذَا أَنْتَنَ قَالُوا يَحْرُمُ أَكْلُهُ وَلَمْ يَقُولُوا تُنَجِّسَ بِخِلَافِ السَّمْنِ وَاللَّبَنِ وَالدُّهْنِ وَالزَّيْتِ إذَا أَنْتَنَ لَا يَحْرُمُ وَالْأَشْرِبَةُ لَا تَحْرُمُ بِالتَّغَيُّرِ كَذَا فِي الْخِزَانَةِ وَأَشَارَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِقَوْلِهِ خَرْءُ حَمَامٍ وَعُصْفُورٍ إلَى خَرْءِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ الطُّيُورِ
ـــــــــــــــــــــــــــــQ (قَوْلُهُ: وَلَوْ جَعَلَ قَائِلَ الْحَدِّ الْفَاصِلِ إلَخْ) قَالَ فِي النَّهْرِ لَكِنَّهُ بَعِيدٌ إذْ هُوَ شَأْنُ الْجَارِي وَقَدْ عَلِمْت أَنَّ مَاءَ الْبِئْرِ، وَإِنْ كَثُرَ فِي حُكْمِ الْقَلِيلِ اهـ أَيْ مَا لَمْ يَبْلُغْ عَشْرًا فِي عَشْرٍ.

(قَوْلُهُ: وَالْوَاوُ بَعْدَ الرَّاءِ غَلَطٌ) أَيْ فِي الْمُفْرَدِ لَا فِي الْجَمْعِ (قَوْلُهُ: وَلَمْ يَذْكُرُوا فَائِدَةَ هَذَا الِاخْتِلَافِ) قَالَ فِي النَّهْرِ: يُمْكِنُ أَنْ يَظْهَرَ فِيمَا لَوْ وُجِدَ فِي ثَوْبٍ أَوْ مَكَان وَثَمَّةَ مَا هُوَ خَالٍ عَنْهُ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ فِيهِ عَلَى الثَّانِي لِانْتِفَاءِ الضَّرُورَةِ وَتَجُوزُ عَلَى الْأَوَّلِ. اهـ.
وَالظَّاهِرُ أَنَّ تَعْلِيلَهُمْ بِالضَّرُورَةِ لَيْسَ فِي خُصُوصِ الْمَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهَا مُطْلَقًا، وَإِذَا سَقَطَ حُكْمُ النَّجَاسَةِ لِلضَّرُورَةِ مُطْلَقًا تَجُوزُ الصَّلَاةُ بِمَا أَصَابَهُ مِنْهَا شَيْءٌ، وَإِنْ وَجَدَ غَيْرَهُ كَمَا لَوْ أَصَابَ الْمَاءَ وَوَجَدَ غَيْرَهُ يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ تَأَمَّلْ.

اسم الکتاب : البحر الرائق شرح كنز الدقائق ومنحة الخالق وتكملة الطوري المؤلف : ابن نجيم، زين الدين    الجزء : 1  صفحة : 119
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست