responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : كشف الأسرار شرح أصول البزدوي المؤلف : البخاري، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 265
وَلَنَا مَا احْتَجَّ بِهِ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي كِتَابِ الطَّلَاقِ أَنَّ صِيَامَ الْعِيدِ وَأَيَّامِ التَّشْرِيقِ مَنْهِيٌّ وَالنَّهْيُ لَا يَقَعُ عَلَى مَا لَا يَتَكَوَّنُ وَبَيَانُهُ أَنَّ النَّهْيَ يُرَادُ بِهِ عَدَمُ الْفِعْلِ مُضَافًا إلَى اخْتِيَارِ الْعِبَادِ وَكَسْبِهِمْ فَيُعْتَمَدُ تَصَوُّرُهُ لِيَكُونَ الْعَبْدُ مُبْتَلًى بَيْنَ أَنْ يَكُفَّ عَنْهُ بِاخْتِيَارِهِ فَيُثَابَ عَلَيْهِ وَبَيْنَ أَنْ يَفْعَلَهُ بِاخْتِيَارِهِ فَيَلْزَمَهُ جَزَاؤُهُ وَالنَّسْخُ لِإِعْدَامِ الشَّيْءِ شَرْعًا لِيَنْعَدِمَ فِعْلُ الْعَبْدِ لِعَدَمِ الْمَشْرُوعِ بِنَفْسِهِ لِيَصِيرَ امْتِنَاعُهُ بِنَاءً عَلَى عَدَمِهِ وَفِي النَّهْيِ يَكُونُ عَدَمُهُ بِنَاءً عَلَى امْتِنَاعِهِ وَهُمَا فِي طَرَفَيْ نَقِيضٍ فَلَا يَصِحُّ الْجَمْعُ بِحَالٍ وَالْحُكْمُ الْأَصْلِيُّ فِي النَّهْيِ مَا ذَكَرْنَا
ـــــــــــــــــــــــــــــQبِحَيْثُ لَوْ أَقْدَم عَلَيْهِ يُوجَدُ حَتَّى يَبْقَى الْعَبْدُ مُبْتَلًى بَيْنَ أَنْ يُقْدِمَ عَلَى الْفِعْلِ فَيُعَاقَبُ أَوْ يَكُفُّ عَنْهُ فَيُثَابُ بِامْتِنَاعِهِ مُخْتَارًا عَنْ تَحْقِيقِ الْفِعْلِ لِلنَّهْيِ فَيَكُونُ عَدَمُ الْفِعْلِ مُضَافًا إلَى كَسْبِهِ وَاخْتِيَارِهِ هَذَا مُوجِبُ حَقِيقَةِ النَّهْيِ وَأَمَّا النَّسْخُ فَلِبَيَانِ أَنَّ الْفِعْلَ لَمْ يَبْقَ مُتَصَوَّرَ الْوُجُودِ شَرْعًا كَالتَّوَجُّهِ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ وَحِلِّ الْأَخَوَاتِ لَمْ يَبْقَ مَشْرُوعًا أَصْلًا وَصَارَ بَاطِلًا شَرْعًا فَامْتِنَاعُ الْعَبْدِ عَنْ ذَلِكَ بِنَاءً عَلَى عَدَمِهِ فِي نَفْسِهِ لَا تَعَلُّقَ لَهُ بِاخْتِيَارِهِ وَلِهَذَا لَا يُثَابُ عَلَى الِامْتِنَاعِ فِي الْمَنْسُوخِ.
نَظِيرُ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ مَنْ امْتَنَعَ عَنْ شُرْبِ الْخَمْرِ مَعَ الْقُدْرَةِ يُثَابُ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْعَدَمَ بِنَاءً عَلَى امْتِنَاعِهِ وَكَسْبِهِ وَلَوْ امْتَنَعَ عَنْهُ لِأَنَّهُ لَا يَجِدُهَا لَا يُثَابُ عَلَيْهِ لِأَنَّ امْتِنَاعَهُ عَنْهُ بِنَاءً عَلَى عَدَمِهَا ثُمَّ النَّهْيُ كَمَا يُوجِبُ تَصَوُّرَ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ يَقْتَضِي قُبْحَهُ أَيْضًا لِمَا مَرَّ فَإِنْ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا وَجَبَ الْعَمَلُ بِهِ وَإِلَّا وَجَبَ التَّرْجِيحُ فَفِي الْفِعْلِ الْحِسِّيِّ أَمْكَنَ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ وُجُودُهُ بِسَبَبِ الْقُبْحِ فَأَمَّا الْفِعْلُ الشَّرْعِيُّ فَلَا يُمْكِنُ فِيهِ الْجَمْعُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّهُ لَا يَتَحَقَّقُ مَعَ الْقُبْحِ فَوَجَبَ التَّرْجِيحُ ثُمَّ إمَّا أَنْ يُرَجِّحَ جَانِبَ الْقُبْحِ كَمَا هُوَ مَذْهَبُ الْخَصْمِ أَوْ جَانِبَ التَّصَوُّرِ فَقُلْنَا تَرْجِيحُ جَانِبِ التَّصَوُّرِ أَوْلَى مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا أَنَّ التَّصَوُّرَ هُوَ الْمُوجِبُ الْأَصْلِيُّ لِلنَّهْيِ لُغَةً وَعُرْفًا وَشَرْعًا أَمَّا لُغَةً فَلِأَنَّهُ مُتَعَدٍّ لَازِمُهُ انْتَهَى يُقَالُ نَهَيْته فَانْتَهَى كَمَا يُقَالُ أَمَرْته فَائْتَمَرَ وَالِائْتِمَارُ وَالِامْتِنَاعُ وَاحِدٌ أَمَّا عُرْفًا فَلِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ يُسْتَقْبَحُ أَنْ يُقَالَ لِلْأَعْمَى لَا تَبْصُرُ وَلِلْإِنْسَانِ لَا تَطِرْ وَأَمَّا شَرْعًا فَلِمَا ذَكَرْنَا أَنَّ تَحَقُّقَ الِابْتِلَاءِ بِهِ وَالْقُبْحِ لَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ هُوَ مِنْ مُقْتَضَيَاتِهِ الشَّرْعِيَّةِ فَكَانَ اعْتِبَارُ الْمُوجِبِ الْأَصْلِيِّ الَّذِي لَا وُجُودَ لِحَقِيقَتِهِ بِدُونِهِ شَرْعًا وَعُرْفًا وَلُغَةً أَوْلَى مِنْ اعْتِبَارِ مَا هُوَ دُونَهُ وَهُوَ ثَابِتٌ شَرْعًا لَا لُغَةً وَثَانِيهَا أَنَّ مَعَ اعْتِبَارِ جَانِبِ التَّصَوُّرِ أَمْكَنَ اعْتِبَارُ جَانِبِ الْقُبْحِ أَيْضًا بِأَنْ يَكُونَ الْقُبْحُ رَاجِعًا إلَى الْوَصْفِ فَكَانَ فِيهِ جَمْعٌ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ وَجْهٍ وَمَعَ اعْتِبَارِ جَانِبِ الْقُبْحِ لَا يُمْكِنُ اعْتِبَارُ جَانِبِ التَّصَوُّرِ بِوَجْهٍ فَكَانَ الْأَوَّلُ أَوْلَى وَثَالِثُهَا أَنَّ اعْتِبَارَ جَانِبِ الْقُبْحِ يُؤَدِّي إلَى إبْطَالِ حَقِيقَةِ النَّهْيِ لِأَنَّهُ " ح " يَصِيرُ نَسْخًا وَهُوَ غَيْرُ النَّهْيِ حَدًّا وَحَقِيقَةً وَفِي إبْطَالِهِ إبْطَالُ الْقُبْحِ الَّذِي ثَبَتَ مُقْتَضَى بِهِ لِأَنَّ فِي إبْطَالِ الْمُقْتَضَى إبْطَالَ الْمُقْتَضِي ضَرُورَةً فَكَانَ اعْتِبَارُ الْقُبْحِ وَإِثْبَاتُهُ فِي عَيْنِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ عَائِدًا عَلَى مَوْضُوعِهِ بِالنَّقْضِ وَذَلِكَ بَاطِلٌ وَلَيْسَ فِي اعْتِبَارِ جَانِبِ التَّصَوُّرِ ذَلِكَ وَفِيهِ تَحْقِيقُ النَّهْيِ مَعَ رِعَايَةِ مُقْتَضَاهُ فَكَانَ اعْتِبَارُهُ أَوْلَى.
ثُمَّ إنَّكَ قَدْ عَلِمْت أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ أَمْرِ الشَّارِعِ وَنَهْيِهِ وُجُوبُ الِائْتِمَارِ وَوُجُوبُ الِانْتِهَاءِ لَا وُجُودُ الْفِعْلِ وَعَدَمُهُ لِأَنَّ تَخَلُّفَ الْمُرَادِ عَنْ إرَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى مُحَالٌ عِنْدَ أَهْلِ الْحَقِّ فَكَانَ مَعْنَى قَوْلِهِ يُرَادُ بِهِ عَدَمُ الْفِعْلِ يُطْلَبُ بِهِ عَدَمُهُ أَوْ يُرَادُ بِهِ عَدَمُ الْفِعْلِ فِي وَضْعِهِ مِنْ غَيْرِ نَظَرٍ إلَى أَنَّهُ صَادِرٌ مَنْ الشَّارِعِ وَقِيلَ مَعْنَاهُ يُرَادُ بِهِ عَدَمُ الْفِعْلِ فِي حَقِّ مَنْ عَلِمَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ الِامْتِنَاعَ عَنْ مُبَاشَرَةِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ فَأَمَّا فِي حَقِّ الْكُلِّ فَالْمُرَادُ مِنْ النَّهْيِ إيجَابُ الِانْتِهَاءِ لَا حُصُولُهُ وَمِنْ الْأَمْرِ إيجَابُ الِائْتِمَارِ لَا غَيْرُ وَالْأَوَّلُ أَوْجَهُ.
قَوْلُهُ (وَهُمَا فِي طَرَفَيْ نَقِيضٍ) أَيْ كَوْنُ الِامْتِنَاعِ عَنْ الشَّيْءِ مَبْنِيًّا عَلَى عَدَمِهِ مَعَ كَوْنِ عَدَمِ الشَّيْءِ مَبْنِيًّا عَلَى الِامْتِنَاعِ عَنْهُ مُتَنَاقِضَانِ أَيْ مُخَالِفَانِ وَأَنَّهُمْ قَدْ يُطْلِقُونَ التَّضَادَّ وَالتَّنَافِي وَالتَّنَاقُضَ وَلَا يُرِيدُونَ بِهَا مَعَانِيَهَا الْمُصْطَلَحَةَ بَيْنَ قَوْمٍ وَإِنَّمَا يُرِيدُونَ نَفْسَ الْمُخَالَفَةِ وَالْحُكْمُ الْأَصْلِيُّ مَا ذَكَرْنَا وَهُوَ أَنَّ

اسم الکتاب : كشف الأسرار شرح أصول البزدوي المؤلف : البخاري، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 265
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست