responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : كشف الأسرار شرح أصول البزدوي المؤلف : البخاري، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 203
لِأَنَّ الشَّرْعَ عَلَّقَ الْوُجُوبَ بِقُدْرَةٍ مُيَسَّرَةٍ أَلَا تَرَى أَنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْأَدَاءِ تَحْصُلُ بِمَالٍ مُطْلَقٍ ثُمَّ شُرِطَ النَّمَاءُ فِي الْمَالِ لِيَكُونَ الْمُؤَدَّى جُزْءًا مِنْهُ فَيَكُونَ فِي غَايَةِ التَّيْسِيرِ فَلَوْ قُلْنَا بِبَقَاءِ الْوَاجِبِ بِدُونِ النِّصَابِ لَانْقَلَبَ غَرَامَةً مَحْضَةً فَيَتَبَدَّلُ الْوَاجِبُ فَلِذَلِكَ سَقَطَ بِهَلَاكِ الْمَالِ وَلَا يَلْزَمُ أَنَّ النِّصَابَ شَرْطٌ لِابْتِدَاءِ الْوُجُوبِ وَلَا يُشْتَرَطُ لِبَقَائِهِ فَإِنَّ كُلَّ جُزْءٍ مِنْ الْبَاقِي يَبْقَى بِقِسْطِهِ؛ لِأَنَّ شَرْطَ النِّصَابِ لَا يُغَيِّرُ صِفَةَ الْوَاجِبِ أَلَا تَرَى أَنَّ تَيْسِيرَ أَدَاءِ الْخَمْسَةِ مِنْ الْمِائَتَيْنِ وَتَيْسِيرَ أَدَاءِ الدِّرْهَمِ مِنْ الْأَرْبَعِينَ سَوَاءٌ لَا يَخْتَلِفُ؛ لِأَنَّهُ رُبُعُ عُشْرٍ بِكُلِّ حَالٍ
ـــــــــــــــــــــــــــــQبِأَنْ أَبْطَلَ عَلَى صَاحِبِ الْحَقِّ حَقَّهُ مِنْ مِلْكٍ كَمَا فِي مَنْعِ الْوَدِيعَةِ عَنْ الْمَالِكِ أَوْ يَدٍ مُتَقَوِّمَةٍ كَمَا فِي مَنْعِ الرَّهْنِ عَنْ الْمُرْتَهِنِ وَلَا تَصَوُّرَ لِيَدِ الْغَاصِبِ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ عَلَى الْمَالِ؛ لِأَنَّهُ حَقُّ صَاحِبِ الْمَالِ مِلْكًا وَيَدًا وَإِنَّمَا حَقُّ الْفَقِيرِ فِي أَنْ تَعَيَّنَ مَحِلًّا لِلصَّرْفِ إلَيْهِ وَبِالْمَنْعِ لَا تَبْطُلُ تِلْكَ الْمَحَلِّيَّةُ فَلَا يُوجِبُ الضَّمَانَ كَمَنْعِ الْمُشْتَرِي الدَّارَ عَنْ الشَّفِيعِ حَتَّى صَارَ بَحْرًا وَمَنْعِ الْمَوْلَى الْعَبْدَ الْمَدْيُونَ عَنْ الْبَيْعِ أَوْ الْعَبْدَ الْجَانِيَ عَنْ أَوْلِيَاءِ الْجِنَايَةِ مِنْ غَيْرِ اخْتِيَارِ الْأَرْشِ حَتَّى هَلَكَ لَا يُوجِبُ الضَّمَانَ وَلَا عَلَى مَا فِي ذِمَّتِهِ مِنْ فِعْلِ التَّسْلِيمِ؛ لِأَنَّ الْغَصْبَ لَا يُتَصَوَّرُ عَلَى مَا فِي الذِّمَّةِ، وَلِأَنَّهُ بِالْمَنْعِ إنَّمَا يَضْمَنُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَنْ وِلَايَةٍ وَلَهُ وِلَايَةُ الْمَنْعِ مَا دَامَ يَتَحَرَّى مَنْ هُوَ أَوْلَى كَالْإِمَامِ حَتَّى قَالَ الْعِرَاقِيُّونَ مِنْ مَشَايِخِنَا إذَا طَلَبَ السَّاعِي فَامْتَنَعَ مِنْ الْأَدَاءِ إلَيْهِ حَتَّى هَلَكَ الْمَالُ ضَمِنَ وَهَكَذَا ذَكَرَهُ الْكَرْخِيُّ فِي مُخْتَصَرِهِ؛ لِأَنَّ السَّاعِيَ مُتَعَيِّنٌ لِلْأَخْذِ فَيَلْزَمُهُ الْأَدَاءُ عِنْدَ طَلَبِهِ فَبِالِامْتِنَاعِ يَصِيرُ مُفَوِّتًا.
وَمَشَايِخُنَا يَقُولُونَ لَا يَصِيرُ ضَامِنًا، وَكَذَا ذَكَرَهُ أَبُو سَهْلٍ الزَّجَّاجِيُّ وَأَبُو طَاهِرٍ الدَّبَّاسُ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ مَا فَوَّتَ بِهَذَا الْحَبْسِ عَلَى أَحَدٍ مِلْكًا وَلَا يَدًا وَلَهُ رَأْيٌ فِي اخْتِيَارِ مَحَلِّ الْأَدَاءِ إنْ شَاءَ مِنْ السَّائِمَةِ وَإِنْ شَاءَ مِنْ غَيْرِهَا فَإِنَّمَا حَبَسَ السَّائِمَةَ لِيُؤَدِّيَ مِنْ مَحَلٍّ آخَرَ فَلَا يَضْمَنُ كَذَا فِي الْأَسْرَارِ وَالْمَبْسُوطِ.
قَوْلُهُ (عَلَّقَ وُجُوبَهُ) أَيْ وُجُوبَ هَذَا الْجَوَابِ وَهُوَ الزَّكَاةُ بِقُدْرَةٍ مُيَسِّرَةٍ بِدَلِيلَيْنِ، أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُكْنَةَ الْأَصْلِيَّةَ تَحْصُلُ بِمِلْكِ الْخَمْسَةِ مَثَلًا وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يُوجِبْهَا الشَّرْعُ إلَّا بَعْدَ مِلْكِ الْمِائَتَيْنِ لِيَكُونَ الْوَاجِبُ قَلِيلًا مِنْ كَثِيرٍ، وَالثَّانِي أَنَّ الْوُجُوبَ تَعَلَّقَ بِوَصْفِ النَّمَاءِ لِئَلَّا يُنْتَقَضَ بِهِ أَصْلُ الْمَالِ وَإِنَّمَا يُفَوَّتُ بِهِ بَعْضُ النَّمَاءِ غَيْرَ أَنَّ الشَّرْعَ أَقَامَ الْمُدَّةَ فِي النِّصَابِ الْمُعَدِّ لِلنُّمُوِّ مَقَامَ حَقِيقَتِهِ تَيْسِيرًا لِمَا فِي التَّعْلِيقِ بِحَقِيقَةِ النُّمُوِّ ضَرْبُ حَرَجٍ فَعَرَفْنَا أَنَّهَا مُتَعَلِّقَةٌ بِقُدْرَةٍ مُيَسِّرَةٍ، وَإِلَى الْوَجْهِ الثَّانِي أُشِيرَ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ، بِمَالٍ مُطْلَقٍ أَيْ عَنْ صِفَةِ النَّمَاءِ، فَيَتَبَدَّلُ الْوَاجِبُ أَيْ مِنْ الْيُسْرِ إلَى الْعُسْرِ فَكَانَ غَيْرَ الْأَوَّلِ فَلَا يَثْبُتُ إلَّا بِسَبَبٍ آخَرَ كَصَلَاةِ الْمُقِيمِ لَا يَتَغَيَّرُ إلَى الرَّكْعَتَيْنِ إلَّا بِمُغَيِّرٍ وَهُوَ السَّفَرُ وَكَذَا عَلَى الْعَكْسِ.
1 -
قَوْلُهُ (وَلَا يَلْزَمُ) جَوَابُ السُّؤَالِ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ: إنَّ اشْتِرَاطَ النِّصَابِ فِي الِابْتِدَاءِ لِلتَّيْسِيرِ كَاشْتِرَاطِ النَّمَاءِ؛ لِأَنَّ الْمُكْنَةَ الْأَصْلِيَّةَ تَثْبُتُ بِدُونِهِ كَمَا ذَكَرْنَا فَوَجَبَ أَنْ يُشْتَرَطَ بَقَاؤُهُ لِبَقَاءِ الْوُجُوبِ كَمَا شُرِطَ لِابْتِدَائِهِ وَلَوْ مَلَكَ بَعْضَ النِّصَابِ فِي الِابْتِدَاءِ لَا يَجِبُ بِهِ شَيْءٌ مِنْ الزَّكَاةِ فَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ لَا يَبْقَى بِبَقَاءِ الْبَعْضِ شَيْءٌ مِنْ الْوَاجِبِ وَقَدْ قُلْتُمْ بِخِلَافِهِ، فَقَالَ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْيُسْرَ فِي اشْتِرَاطِ النِّصَابِ بَلْ الْيُسْرُ فِي إيجَابِ الْقَلِيلِ مِنْ الْكَثِيرِ وَذَلِكَ ثَابِتٌ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْمَالِ فَإِنَّهُ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ إلَّا أَدَاءُ رُبُعِ عُشْرِ الْبَاقِي وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْيُسْرَ فِي الِابْتِدَاءِ كَانَ بِإِيجَابِ رُبُعِ الْعُشْرِ فِي كُلِّ جُزْءٍ مِنْ النِّصَابِ وَلَمْ يَكُنْ يَزْدَادُ يُسْرُ مَا تَعَلَّقَ بِجُزْءٍ بِانْضِمَامِ جُزْءٍ آخَرَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ رُبُعُ الْعُشْرِ أَيْضًا كَمَا تَعَلَّقَ بِذَلِكَ الْجُزْءِ فَكَمَا لَمْ يَزْدَدْ الْيُسْرُ بِانْضِمَامِ جُزْءٍ آخَرَ إلَيْهِ لَا يُنْتَقَضُ أَيْضًا بِهَلَاكِهِ إلَّا أَنَّ كَمَالَ النِّصَابِ شَرْطٌ فِي الِابْتِدَاءِ لِيَصِيرَ أَهْلًا لِلْوُجُوبِ فَإِنَّ أَهْلَ الْوُجُوبِ هُوَ الْغَنِيُّ وَالشَّرْعُ أَكَّدَ هَذَا الشَّرْطَ فِي بَابِ الزَّكَاةِ فَاعْتُبِرَ الْغَنَاءُ بِالْمَالِ الَّذِي جُعِلَ سَبَبًا لِوُجُوبِ الزَّكَاةِ لَا بِمَالٍ آخَرَ وَلَا يَحْصُلُ الْغَنَاءُ بِهِ لَوْلَا مَالٌ آخَرُ إلَّا إذَا كَانَ نِصَابًا كَامِلًا فَيُشْتَرَطُ النِّصَابُ لِيَصِيرَ بِهِ غَنِيًّا أَهْلًا لِلْوُجُوبِ وَالْغَنَاءُ لَا يَثْبُتُ بِمُطْلَقِ الْمَالِ بَلْ يَثْبُتُ بِكَثْرَةِ الْمَالِ وَذَلِكَ أَمْرٌ لَا يُضْبَطُ لِاخْتِلَافِهِ بِالْأَشْخَاصِ وَالْأَزْمَانِ

اسم الکتاب : كشف الأسرار شرح أصول البزدوي المؤلف : البخاري، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 203
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست