responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : كشف الأسرار شرح أصول البزدوي المؤلف : البخاري، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 204
لَكِنَّ الْغَنَاءَ وَصْفٌ لَا بُدَّ مِنْهُ لِيَصِيرَ الْمَوْصُوفُ بِهِ أَهْلًا لِلْإِغْنَاءِ إذْ الْإِغْنَاءُ مِنْ غَيْرِ الْغِنَى لَا يَتَحَقَّقُ كَالتَّمْلِيكِ مِنْ غَيْرِ الْمَالِكِ وَالْغِنَى بِكَثْرَةِ الْمَالِ وَلَيْسَ لِلْكَثْرَةِ حَدٌّ تُعْرَفُ بِهِ وَأَحْوَالُ النَّاسِ فِيهِ شَتَّى فَقَدَّرَ الشَّرْعُ بِحَدٍّ وَاحِدٍ فَصَارَ ذَلِكَ شَرْطًا لِلْوُجُوبِ لِمَا كَانَ أَمْرًا زَائِدًا عَلَى الْأَهْلِيَّةِ الْأَصْلِيَّةِ وَشَرْطُ الْوُجُوبِ لَا يُشْتَرَطُ دَوَامُهُ إذْ الْوُجُوبُ فِي وَاجِبٍ وَاحِدٍ لَا يَتَكَرَّرُ فَأَمَّا قِيَامُ الْمَالِ بِصِفَةِ النَّمَاءِ فَمُيَسِّرٌ لِلْأَدَاءِ فَتُغَيَّرُ بِهِ صِفَةُ الْوَاجِبِ فَشَرَطْنَا دَوَامَهُ
ـــــــــــــــــــــــــــــQوَالْأَمَاكِنِ فَتَوَلَّى الشَّارِعُ تَقْدِيرَهُ بِذَاتِهِ فَكَانَ النِّصَابُ شَرْطًا لِثُبُوتِ الْأَهْلِيَّةِ لَا لِثُبُوتِ الْيُسْرِ بَلْ الْيُسْرُ فِيمَا دُونَ النِّصَابِ أَكْثَرُ مِنْهُ فِي النِّصَابِ؛ لِأَنَّ إيتَاءَ دِرْهَمٍ مِنْ أَرْبَعِينَ دِرْهَمًا أَيْسَرُ عَلَى رَبِّ الْمَالِ مِنْ إيتَاءِ خَمْسَةٍ مِنْ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ كَمَا أَنَّ إيتَاءَ خَمْسَةٍ مِنْ الْمِائَتَيْنِ أَيْسَرُ مِنْ إيتَاءِ أَلْفِ دِرْهَمٍ مِنْ أَرْبَعِينَ أَلْفًا، وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهُ شَرْطُ الْوُجُوبِ لَا شَرْطُ الْيُسْرِ لَمْ يُشْتَرَطْ بَقَاؤُهُ لِبَقَاءِ الْوُجُوبِ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الْمَالِ.
قَوْلُهُ (وَلَكِنَّ الْغَنَاءَ وَصْفٌ) جَوَابُ سُؤَالٍ آخَرَ يَرُدُّ عَلَى هَذَا الْجَوَابِ وَهُوَ أَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَحْصُلْ بِهِ الْيُسْرُ وَجَبَ أَنْ لَا يُشْتَرَطَ فِي الِابْتِدَاءِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الزَّكَاةَ لَا يَجِبُ إلَّا بِقُدْرَةٍ مُيَسِّرَةٍ فَقَالَ الْغَنَاءُ وَصْفٌ لَا بُدَّ مِنْهُ إلَى آخِرِهِ.
قَوْلُهُ (إلَّا غَنَاءً مِنْ غَيْرِ الْغِنَى لَا يَتَحَقَّقُ) .
(فَإِنْ قِيلَ) الْإِغْنَاءُ الْوَاجِبُ تَمْلِيكُ مَا يَدْفَعُ حَاجَةَ الْفَقِيرِ دُونَ الْإِغْنَاءِ الشَّرْعِيِّ وَتَحَقُّقُهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى مِلْكِ النِّصَابِ فَكَيْفَ يَصِحُّ قَوْلُهُ وَالْإِغْنَاءُ مِنْ غَيْرِ الْغِنَى لَا يَتَحَقَّقُ.
(قُلْنَا) الْمُرَادُ بِهِ نَفْيُ صِفَةِ الْحُسْنِ عَنْ الْإِغْنَاءِ أَيْ الْإِغْنَاءُ بِصِفَةِ الْحُسْنِ مِنْ غَيْرِ الْغِنَى لَا يَتَحَقَّقُ فَلَمْ يَكُنْ مَأْمُورًا بِهِ شَرْعًا؛ لِأَنَّهَا وَجَبَتْ لِدَفْعِ حَاجَةِ الْفَقِيرِ لَا لِإِحْوَاجِ الْمُؤَدِّي، وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَ الْقَاضِي الْإِمَامُ فِي التَّقْوِيمِ وَلَمَّا شُرِعَتْ أَيْ صَدَقَةُ الْفِطْرِ لِلْأَغْنِيَاءِ عَنْ الْفَقِيرِ لَمْ يَكُنْ الْفَقِيرُ أَهْلًا لِوُجُوبِهَا فَتَصِيرُ مَشْرُوعَةً لِإِحْوَاجِهِ فَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّ حُسْنَ الْإِغْنَاءِ الْمَأْمُورِ بِهِ مُتَعَلِّقٌ بِالْغَنَاءِ الشَّرْعِيِّ دُونَ أَصْلِهِ، وَنَصَّ عَلَيْهِ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَيْضًا فَقَالَ: وَإِنَّمَا يَتَحَقَّقُ الْإِغْنَاءُ بِصِفَةِ الْحُسْنِ مِنْ الْغِنَى وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ حَسَنًا عِنْدَ عَدَمِ مَا تَعَلَّقَ بِهِ حُسْنُهُ فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يَكُونَ مَأْمُورًا بِهِ شَرْعًا.
(فَإِنْ قِيلَ) حُسْنُ الْإِغْنَاءِ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْغَنَاءِ الشَّرْعِيِّ أَيْضًا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى مَدَحَ أَقْوَامًا عَلَى الْإِيثَارِ مَعَ مِسَاسِ حَاجَتِهِمْ إلَى مَا آتَوْا بِقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} [الحشر: 9]
(قُلْنَا) بِنَاءُ الْأَحْكَامِ عَلَى الْأُمُورِ الْغَالِبَةِ وَالْغَالِبُ مِنْ حَالِ الْبَشَرِ عَدَمُ الصَّبْرِ عَلَى الشِّدَّةِ وَإِظْهَارُ الْجَذَعِ وَالضَّجَرِ عِنْدَ إصَابَةِ الْمَكْرُوهِ قَالَ تَعَالَى {إِنَّ الإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا} [المعارج: 19] {إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا} [المعارج: 20] {وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا} [المعارج: 21] فَقُلْنَا لَمْ يَحْسُنْ الْإِغْنَاءُ مِنْ غَيْرِ الْغِنَى لِئَلَّا يُؤَدِّيَ إلَى الْأَمْرِ الْمَذْمُومِ، فَأَمَّا مَنْ اُخْتُصَّ بِتَوْفِيقٍ مِنْ رَبِّهِ وَأُوتِيَ قُوَّةً فِي دِينِهِ حَتَّى آثَرَ مُرَادَ غَيْرِهِ عَلَى مُرَادِهِ وَصَبَرَ عَلَى الشَّدَائِدِ وَالْمَكَارِهِ فَحُسْنُ الْإِغْنَاءِ مِنْهُ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى الْغِنَى الشَّرْعِيِّ بَلْ هُوَ أَحْسَنُ مِنْ الْإِغْنَاءِ الصَّادِرِ عَنْ الْغِنَى قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «أَفْضَلُ الصَّدَقَةِ جَهْدُ الْمُقِلِّ» ، إلَّا أَنَّ هَذَا لَمَّا كَانَ نَادِرًا لَمْ يَصْلُحْ لِبِنَاءِ الْحُكْمِ فَبُنِيَ عَلَى الْأَوَّلِ.
قَوْلُهُ (لَمَّا كَانَ أَمْرًا زَائِدًا عَلَى الْأَهْلِيَّةِ الْأَصْلِيَّةِ) يَعْنِي لَمَّا ثَبَتَ أَنَّ اشْتِرَاطَ النِّصَابِ لِثُبُوتِ الْأَهْلِيَّةِ وَأَصْلُ الْأَهْلِيَّةِ ثَابِتٌ بِالْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ كَانَ هَذَا أَمْرًا زَائِدًا عَلَى تِلْكَ الْأَهْلِيَّةِ فِي هَذِهِ الْعِبَادَةِ حَتَّى صَارَتْ أَهْلِيَّةُ هَذِهِ الْعِبَادَةِ بِالْعَقْلِ وَالْبُلُوغِ وَمِلْكِ النِّصَابِ كَمَا أَنَّ الْقُدْرَةَ الْمُمْكِنَةَ مِنْ الْفِعْلِ فِي الصَّلَاةِ أَمْرٌ زَائِدٌ عَلَى الْأَهْلِيَّةِ الْأَصْلِيَّةِ وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَ اشْتِرَاطُهُ لِلْوُجُوبِ لَا لِلتَّيْسِيرِ كَاشْتِرَاطِ الْأَهْلِيَّةِ الْأَصْلِيَّةِ وَاشْتِرَاطِ الْقُدْرَةِ فِي الصَّلَاةِ فَلَمْ يُشْتَرَطْ دَوَامُهُ إلَى آخِرِهِ، وَلَا يُقَالُ لَمَّا كَانَ النِّصَابُ شَرْطَ الْأَهْلِيَّةِ لَا شَرْطَ الْيُسْرِ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَسْقُطَ الزَّكَاةُ بِهَلَاكِهِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ سُقُوطُ الزَّكَاةِ لِفَوَاتِ النَّمَاءِ الَّذِي تَعَلَّقَ الْيُسْرُ بِهِ لَا لِفَوَاتِ النِّصَابِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ إذَا هَلَكَ بَعْضُهُ يَبْقَى بِقِسْطِهِ الْبَاقِي وَلَوْ كَانَ النِّصَابُ شَرْطَ الْيُسْرِ لَسَقَطَتْ الزَّكَاةُ

اسم الکتاب : كشف الأسرار شرح أصول البزدوي المؤلف : البخاري، علاء الدين    الجزء : 1  صفحة : 204
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست