حيث قال: إنه في محل النظر، ثم وجه القول بأنه حجة بقوله: "العمل بالظن على الجملة ثابت في تفاصيل الشريعة، وهذا فرد من أفراده، وهو وإن لم يكن موافقاً لأصل، فلا مخالفة فيه أيضاً، فإن عضد الرد عدم الموافقة عضد القبول عدم المخالفة: فيتعارضان، ويسلم أصل العمل بالظن ... وقد اعمل العلماء المناسب الغريب في أبواب القياس"[1].
الدليل الثاني: قرر الشاطبي أن الاستدلال المرسل أصل من أصول الفقه، وقاعدة من قواعده، وهو عنده دليل قطعي أخذ من استقراء نصوص الشريعة استقراء يفيد القطع، فبناء الأحكام عليه بناء على أصل كلي ودليل قطعي.
قال رحمه الله: "كل أصل شرعي لم يشهد له نص معين، وكان ملائماً لتصرفات الشرع، ومأخوذ معناه من أدلته، فهو صحيح يبنى عليه، ويرجع إليه إذا كان ذلك الأصل قد صار بمجموع أدلته مقطوعاً به؛ لأن الأدلة لا يلزم أن تدل على القطع بالحكم بانفرادها دون انضمام غيرها إليها ... ويدخل تحت هذا ضرب الاستدلال المرسل الذي اعتمده مالك والشافعي، فإنه وإن لم يشهد للفرع أصل معين، فقد شهد له أصل كلي، والأصل الكلي إذا كان قطعياً قد يساوي الأصل المعين، وقد يربى عليه بحسب قوة الأصل المعين وضعفه، كما أنه قد يكون مرجوحاً في بعض المسائل، حكم سائر الأصول المعينة المتعارضة في باب الترجيح، وكذلك أصل الاستحسان على رأي مالك يبنى على هذا الأصل؛ لأن معناه يرجع إلى تقديم الاستدلال المرسل على القياس"[2].
فكلام الشاطبي هنا يدل على أن المرسل عنده هو الوصف الذي لم يشهد الشرع لا باعتباره، ولا بإلغائه، ولكنه ملائم لجنس مقاصد الشارع وهذا يدل على أنه يقول بحجية ملائم المرسل، ولا يقول بغريبه، وهو الذي لا يلائم مقاصد الشرع، ولم يشهد له أصل معين. [1] انظر: نظرية المصلحة في الفقه الإسلامي ص 60. [2] انظر: الموافقات 1/39-40.