جنس الأحكام كما مر في القياس، واعتبار جنس المصالح يوجب ظن اعتبار هذه المصلحة لكونها فرداً من أفرادها"[1].
اعترض على هذا الدليل بأن المصلحة في المناسب المرسل مسكوت عنها، فليس العمل بها أولى من إلغائها، بمعنى أن إلحاقها بالمصالح المعتبرة ليس بأولى من إلحاقها بالمصالح الملغاة، وذلك أن الشارع كما اعتبر بعض المصالح ألغى البعض الآخر، فترجيح اعتبارها على إلغائها ترجيح بغير مرجح، وهو باطل.
ولما كان هذا الاعتراض وارداً فقد أشار البدخشي إلى رده، بأن من خواص المصلحة المعتبرة شرعاً أن تكون غالبة، إن لم تكن خالصة، والمصلحة في الوصف المرسل هنا قد ظهر لنا غلبتها على المفسدة، فإلحاقها بالمعتبرة هو اللائق[2].
قال البدخشي: "لأنه إذا ظن أن في هذا الحكم مصلحة غالبة على المفسدة - ومعلوم أن كل مصلحة كذلك معتبرة شرعاً - لزم ظن أن هذه المصلحة معتبرة، والعمل بالظن واجب"[3].
فكلامه هنا ظاهر في أن المصلحة هنا غالبة على المفسدة، وهو كاف في ترجيح العمل بها على اعتبار إلغائها.
يدل لهذا ما ذكره الشاطبي ونصه: "فالمصلحة إذا كانت هي الغالبة عند مناظرتها مع المفسدة في حكم الاعتبار، فهي المقصود شرعاً، ولطلبها وقع الطلب على العباد" [4].
ويدل لترجيح العمل بالمصلحة هنا ما ذكره صاحب نظرية المصلحة في الفقه الإسلامي نقلاً عن الغزالي في وجه اعتبار المناسب الغريب، وهو ما عبر عنه الأصوليون بأنه ما ثبت اعتبار عينه في عين الحكم بمجرد ترتيب الحكم على وفقه [1] انظر: نهاية السول مع منهاج العقول 3/136. [2] انظر: تفاصيله في رسالة الأصوليين في المصالح المرسلة والاستحسان ص 188-189 مع تصرف. [3] منهاج العقول مع نهاية السول 3/136. [4] انظر: الموافقات 2/26-27.