كما يدل على أنه يرى أن مناسبة المرسل إنما تؤخذ من جملة أدلة وعدة نصوص لا من نص واحد، وبذلك يفيد القطع بمجموع تلك الأدلة، وإن لم تفده بآحادها، وذلك دون اشتراط التأثير الذي يقول به الحنفية فالأصل الذي يؤخذ في الاستقراء لاستنباط المصلحة الكلية، والأصل العام يكفي فيه أن يثبت الحكم مع الوصف، وإن لم يدل النص أو الإجماع على أن ذلك الوصف مناط الحكم.
وهذا مصير من الشاطبي إلى موافقة الجمهور في أن ترتيب الحكم على الوصف يفيد ظن اعتبار الشارع له، وبذلك يؤخذ مثل هذا في استنباط الوصف الكلي، وهو ما أسماه الأصل الكلي.
فهو يفرق بين الأصل الكلي، وبين تحقيق مناطه أحد جزئياته، فالأصل الكلي هو المأخوذ بالاستقراء من عدة نصوص، وأصول تفيد القطع بمجموعها، أما تحقيق مناط هذا الأصل الكلي في أحد الجزئيات، فظني كالشأن في تحقيق مناط أية علة، ولو ثبتت بالنص وعلى هذا الأساس تكون المصلحة الجزئية المتحققة في الفرع الذي يراد معرفة حكمه مصلحة ظنية، وعلى هذا فالمراد بقطعية المصلحة المرسلة هو كونها كلية.
أما إذا أطلق القول، بأن المصلحة دليل ظني، فإنما المراد بذلك تحقيق مناط الأصل الكلي في أحد الجزئيات.
ويرى الشاطبي أن الاستحسان عند المالكية نوع من التعارض بين المصلحة المرسلة والقياس، ويرى تقديمه لذلك على القياس، لأن معناه يرجع إلى تقديم الاستدلال المرسل على القياس، وهو يؤكد أن القول بالاستدلال المرسل، يعارض القياس ويقدم عليه، ولكنه لا يناقض النص الشرعي[1].
ثم ساق اعتراضاً وأجاب عنه بما نصه: "فإن قيل: الاستدلال بالأصل الأعم على الفرع الأخص غير صحيح، لأن الأصل الأعم كلي، وهذه القضية [1] انظر: نظرية المصلحة في الفقه الإسلامي ص 55-57 مع تصرف باختصار العبارة.