الاتفاق بين الحنفية أنفسهم، ثم وجه الاتفاق والاختلاف بينهم وبين الشافعية بادئاً بكلام شمس الأئمة السرخسي[1].
قال رحمه الله: "دليل صحة العلة أن يكون الوصف صالحاً للحكم، ثم يكون معدلاً بمنزلة الشاهد فإنه لا بد أن يكون صالحاً للشهادة لوجود ما به يعتبر أهلاً للشهادة فيه، ثم يكون معدلاً بظهور عدالته بالتعديل، ثم يأتي بلفظ الشهادة بين سائر الألفاظ، حتى تصير شهادته موجبة العمل بها، ثم لا خلاف بيننا وبين الشافعي رحمه الله إن صفة الصلاحية للعلة بالملاءمة، ومعناها أن تكون موافقة العلل المنقولة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعن الصحابة غير نائية عن طريقهم في التعليل، لأن الكلام في العلة الشرعية، والمقصود إثبات حكم الشرع بها، فلا تكون صالحة إلا أن تكون موافقة لما نقل عن الذين ببيانهم عرف أحكام الشرع، ثم لا خلاف وراء ذلك في العدالة.
فقال علماؤنا: "عدالة العلة تعرف بأثرها، ومتى كانت مؤثرة في الحكم المعلل فهي علة عادلة، وإن كان يجوز العمل بها قبل التأثير، ولكن إنما يجب العمل بها إذا علم تأثيرها، ولا يجوز العمل بها عند عدم الصلاحية بالملاءمة، بمنزلة الشاهد فإن الشاهد قبل تثبت الصلاحية للشهادة فيه لا يجوز العمل بشهادته، وبعد ظهور الصلاحية قبل العلم بعدالته كالمستور لا يجب العمل بشهادته، ولكن يجوز العمل، حتى إذا قضى القاضي بشهادة المستور قبل أن تظهر عدالته يكون حكمه نافذاً"[2]. [1] هو: أبو بكر بن محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي، المعروف بشمس الأئمة، الإمام الفقيه، الأصولي النظار، أحد فحول أئمة الحنفية الكبار أصحاب الفنون، له مؤلفات منها في أصول الفقه أصول السرخسي، وفي الفقه المبسوط، اختلف في وفاته فقيل سنة 490، وقيل 483هـ.
انظر: مقدمة أصول السرخسي لأبي الوفاء الأفغاني 1/4 فما بعدها، والفتح المبين في طبقات الأصوليين 1/264. [2] انظر: أصول السرخسي 2/177.