وأما فخر الإسلام البزدوي[1]، فإنه قال رحمه الله: "وقال أئمة الفقه من السلف والخلف: إنه لا يصير حجة إلا بمعنى يعقل، وهذا المعنى هو صلاح الوصف ثم عدالته، وذلك على مثال الشاهد لا بد من صلاحه بما يصير به أهلاً للشهادة، ثم عدالته ليصح منه أداء الشهادة، ثم لا يصح الأداء إلا بلفظ خاص.
واتفقوا في صلاحه أنه إنما يراد به ملاءمته، وذلك أن يكون على موافقة ما جاء عن السلف من العلل المنقولة، لأنه أمر شرعي فتعرف منه، ولا يصح كما لا يصح العمل به قبل الملاءمة لا يصح العمل بشهادة قبل الأهلية لكن لا يجب العمل به إلا بعد العدالة، والعدالة عندنا هي الأثر، وإنما نعني بالأثر ما جعل له أثر في الشرع"[2].
وواضح من كلامهما أنهما إنما اشتغلا ببيان وجه اعتبار المناسبة واشتراط التأثير لقبول الوصف المناسب، غير أنه سيتضح من تعريف التأثير عند الحنفية شمول الوصف المؤثر الملائم كما أسلفت.
ويدل لهذا تمثيلهم بما مثل به غيرهما من الأحناف الذين قسموا المناسب إلى مؤثر وملائم وغريب ومرسل.
من ذلك قوله صلى الله عليه وسلم في سؤر الهرة: "إنها ليست بنجسة إنها من الطوافين عليكم والطوافات"[3]، تعليل لطهارة سؤرها بما ظهر أثره، وهو الضرورة، فإنها من أسباب التخفيف، وسقوط الحرج، قال تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لإِثْمٍ فَإِنَّ اللهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [4]. [1] هو: علي بن محمد بن الحسين بن عبد الكريم بن موسى، المكنى بأبي الحسين الحنفي الأصولي، اشتهر بالتفقه في الفقه الحنفي، والأصول، له مؤلفات منها كنز الوصول إلى معرفة علم الأصول الذي شرحه عبد العزيز البخاري بكتابه كشف الأسرار، ولد سنة 400هـ وتوفي سنة 482هـ.
انظر: الفتح المبين 1/263، الأعلام للزركلي 5/148. [2] انظر: كشف الأسرار 3/351 فما بعدها. [3] أبو داود في باب سؤر الهرة 1/18 وابن ماجه 1/131. [4] سورة المائدة آية: 3.