فإن هذه الصورة مشكلة، لأن ابن الحاجب أورد هذا المثال لأحد أقسام الملائم على مذهبه، وهو ما اعتبر عين الوصف في عين الحكم بالترتيب، واعتبر جنسه في جنسه بالنص، فإن أراد الإمام والآمدي وأتباعهما باعتبار الجنس في الجنس في هذه الصورة الاعتبار بالترتيب لا بالنص يكون الملائم عندهم مخالفاً للملائم عند ابن الحاجب من كل وجه، ويكون الاتفاق في التمثيل بالمثال السابق ناشئاًَ عن اختلاف النظر فيه، وعلى ذلك يرد على حكايتهم الاتفاق على قبوله بين القائلين ما سيأتي عن أبي زيد وأتباعه من أنه لا يقبل الوصف المناسب من غير اعتبار الشارع له بالنص أو الإجماع، ولو اعتبر جنسه في جنس الحكم.
وإن أرادوا باعتبار الجنس في الجنس في هذه الصورة الاعتبار بالنص يكون الملائم عندهم أخص من الملائم عند ابن الحاجب، ويرد عليهم أنه لا وجه للاقتصار على هذه الصورة وترك الصورتين الباقيتين مما ذكره ابن الحاجب.
فإن أجابوا بأن هاتين الصورتين لم تقعا في الشرع وردت عليهم الأمثلة التي ذكرها ابن الحاجب وغيره، اللهم إلا أن يقال: أنها ترجع إلى المؤثر كما قاله الكمال والله أعلم".1
1 انظر: نبراس العقول 1/314-316.
المبحث السادس: اشتراط الحنفية في المناسب فوق المناسبة كونه مؤثرا
...
المبحث السادس
وأما الحنفية فإنهم يشترطون في الوصف المناسب فوق مناسبته للحكم أن يكون مؤثراً فيه، ويعرفون التأثير بما يدخل الملائم بأنواعه الثلاثة، وملائم المرسل في المناسب المرسل عندهم كما سيتضح ذلك إن شاء الله تعالى من تعريفهم المناسب المؤثر، والمصلحة المرسلة.
وحيث إن قدماء الحنفية لم يقسموا المناسب إلى: مؤثر وملائم، وغريب، ومرسل، مثل ما فعله متأخروهم، وإن كان ذلك التقسيم يؤخذ من ضمن كلامهم في المناسب والمؤثر، فقد رأيت أن أنقل كلامهم ليتضح من ذلك وجه