وثانيها: أنه تعالى حكيم بإجماع المسلمين، والحكيم لا يفعل إلى المصلحة، فإن من يفعل لا لمصلحة يكون عابثاً، والعبث على الله تعالى محال للنص والإجماع، والمعقول.
وأما النص، فقوله تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا} [1]، {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً} [2]، {مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلاَّ بِالْحَقِّ} [3].
وأما الإجماع، فقد أجمع المسلمون على أنه تعالى ليس بعابث.
وأما المعقول، فهو أن العبث سفه، والسفه صفة نقص، والنقص على الله تعالى محال، فثبت أنه لا بد من مصلحة، وتلك المصلحة يمتنع عودها إلى الله تعالى كما بينا، فلا بد من عودها إلى العبد، فثبت أنه تعالى شرع الأحكام لمصالح العباد.
وثالثها: أنه تعالى خلق الآدمي مشرفاً مكرماً، لقوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [4]، ومن كرم أحداً ثم سعى في تحصيل مطلوبه كان ذلك السعي ملائماً لأفعال العقلاء مستحسناً فيما بينهم، فإذن، ظن كون المكلف مشرفاً مكرماً يقتضي ظن أنه تعالى لا يشرع إلا ما يكون مصلحة له.
ورابعها: أنه تعالى خلق الآدميين لعبادته، لقوله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ} [5]، والحكيم إذا أمر عبده بشيء، فلا بد وأن يزيح علته، ويسعى في تحصيل منافعه، ودفع المضار عنه، ليصير فارغاً البال، فيتمكن من الاشتغال بأداء ما أمره به، والاجتناب عما نهاه عنه، فكونه مكلفاً يقتضي ظن أنه تعالى لا يشرع إلا ما يكون مصلحة. [1] سورة المؤمنون آية: 115. [2] سورة آل عمران آية: 191. [3] سورة الدخان آية: 39. [4] سورة الإسراء آية: 70. [5] سورة الذاريات آية: 59.