وإذا كان المقصود لازماً في صنعه، فالأحكام من صنعه، فكانت لغرض ومقصود والغرض أن يكون عائداً إلى الله تعالى، أو إلى العباد، ولا سبيل إلى الأول لتعاليه عن الضرر والانتفاع، ولأنه على خلاف الإجماع، فلم يبق سوى الثاني.
وأيضاً فإن الأحكام مما جاء بها الرسول صلى الله عليه وسلم، فكانت رحمة للعالمين لقوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ} [1]، فلو خلت الأحكام عن حكمة عائدة إلى العالمين، ما كانت رحمة، بل نقمة لكون التكليف بها محض تعب ونصب.
وأيضاً قوله تعالى: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [2]، فلو كان شرع الأحكام في حق العباد لا لحكمة، كانت نقمة لا رحمة لما سبق، وأيضاً قوله عليه الصلاة والسلام: "لا ضرر ولا ضرار في الإسلام" [3]، فلو كان التكليف بالأحكام لا لحكمة عائدة إلى العباد، لكان شرعها ضرراً محضاً وكان ذلك بسبب الإسلام، وهو خلاف النص"[4].
واستدل الإمام على أن الله تعالى شرع أحكامه لمصالح العباد بوجوه:
"أحدها: أن الله تعلى خصص الواقعة المعينة بالحكم المعين بمرجح أو لا لمرجح، والقسم الثاني باطل، وإلا لزم ترجيح أحد الطرفين بلا مرجح وهو محال، فثبت القسم الأول.
وذلك المرجح إما أن يكون عائداً إلى الله تعالى، أو إلى العبد، والأول باطل بإجماع المسلمين، فتعين الثاني، وهو أنه تعالى إنما شرع الأحكام لأمر عائد إلى العبد، والعائد إلى العبد إما أن يكون مصلحة العبد، أو مفسدة أو ما لا يكون مصلحة ولا مفسدة، والقسم الثاني والثالث باطلان باتفاق العقلاء فبقي الأول، فثبت أنه تعالى إنما شرع الأحكام لمصلحة العباد. [1] سورة الأنبياء آية: 107. [2] سورة الأعراف آية: 156. [3] انظر: الموطأ مع تنوير الحوالك 2/122. [4] انظر: الأحكام للآمدي 3/263-264.