أ - قالوا: إن القول بنسخ المتقدم من الدليلين المتعارضين إذا علم التاريخ بينهما يتفق، وقاعدة دفع التعارض بين الأدلة والتي هي عند الحنفية تقديم النسخ أولاً: ثم الترجيح ثانياً، ثم الجمع؛ فإذا لم يمكن الجمع سقط الاستدلال بالدليلين، وطلب الحكم من غيرهما.
وقد نوقش هذا الاستدلال من قبل الجمهور، حيث قالوا: إن القول بتقديم النسخ في دفع التعارض بين الأدلة إذا علم تأخر أحد الدليلين وإن قال به أكثر أصولي الحنفية، إلا أنه خلاف الأولى، لأن القاعدة التي يكاد أن يجمع عليها العلماء في دفع التعارض بين الأدلة المتعارضة هي: تقديم الجمع ثم الترجيح ثم النسخ إذا علم التاريخ، والسبب في تقديم الجمع على غيره، أن التوفيق بين الأدلة المتعارضة بواسطته يجعل التعارض كأن لم يكن، إذ يحمل كل من الدليلين على حال تخالف الأخرى، ومن القواعد المقررة في الأصول، أن الأصل في الأدلة الأعمال، فإذا أمكن فلا يجوز العدول عنه إلى غيره، لأن أعمال الدليلين ولو من وجه خير من أهمالهما معاً، كما هو الحال في القول بسقوط الاستدلال بهما، وخير من أعمال أحدهما وسقوط الآخر بالكلية كما هو الحال في القول بترجيح أحدهما على الآخر أو نسخه به، وفي القول بحمل المطلق على المقيد عن طريق بيانه بواسطته، جمع بين الدليلين فكان أولى من القول بالنسخ أو الترجيح.