responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 63
الصَّلَاةِ مِنْ الذِّكْرِ وَالْقِرَاءَةِ وَمَا لَا يُزَاحِمُ حَقَّ الْمَغْصُوبِ مِنْهُ، فَإِنَّ الْأَكْوَانَ هِيَ الَّتِي تَتَنَاوَلُ مَنَافِعَ الدَّارِ.
ثُمَّ كَيْفَ يَسْتَقِيمُ مِنْ الْمُعْتَزِلَةِ هَذَا وَعِنْدَهُمْ لَا يُعْلَمُ الْمَأْمُورُ كَوْنُهُ مَأْمُورًا وَلَا كَوْنُ الْعِبَادَةِ وَاجِبَةً قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنْ الِامْتِثَالِ كَمَا سَيَأْتِي؟ فَكَيْفَ يَنْوِي التَّقَرُّبَ بِالْوَاجِبِ وَهُوَ لَا يَعْرِفُ وُجُوبَهُ؟ الْجَوَابُ الثَّانِي، وَهُوَ الْأَصَحُّ أَنَّهُ يَنْوِي التَّقَرُّبَ بِالصَّلَاةِ وَيَعْصِي بِالْغَصْبِ.
وَقَدْ بَيَّنَّا انْفِصَالَ أَحَدِهِمَا عَنْ الْآخَرِ؛ وَلِذَلِكَ يَجِدُ الْمُصَلِّي مِنْ نَفْسِهِ نِيَّةَ التَّقَرُّبِ بِالصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ فِي دَارٍ مَغْصُوبَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ سَكَنَ وَلَمْ يَفْعَلْ لَكَانَ غَاصِبًا فِي حَالَةِ النَّوْمِ وَعَدَمِ اسْتِعْمَالِ الْقُدْرَةِ، وَإِنَّمَا يَتَقَرَّبُ بِأَفْعَالِهِ وَلَيْسَتْ تِلْكَ الْأَفْعَالُ شَرْطًا لِكَوْنِهِ غَاصِبًا فَإِنْ قِيلَ: هُوَ فِي حَالَةِ الْقُعُودِ وَالْقِيَامِ غَاصِبٌ بِفِعْلِهِ، وَلَا فِعْلَ لَهُ إلَّا قِيَامُهُ وَقُعُودُهُ، وَهُوَ مُتَقَرِّبٌ بِفِعْلِهِ فَيَكُونُ مُتَقَرِّبًا بِعَيْنِ مَا هُوَ عَاصٍ بِهِ.
قُلْنَا: هُوَ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ مُسْتَوْفٍ مَنَافِعَ الدَّارِ غَاصِبٌ وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ أَتَى بِصُورَةِ الصَّلَاةِ مُتَقَرِّبٌ كَمَا ذَكَرْنَاهُ فِي صُورَةِ الْخِيَاطَةِ، إذْ قَدْ يُعْقَلُ كَوْنُهُ غَاصِبًا وَلَا يُعْلَمُ كَوْنُهُ مُصَلِّيًا، وَيُعْلَمُ كَوْنُهُ مُصَلِّيًا وَلَا يُعْلَمُ كَوْنُهُ غَاصِبًا.
فَهُمَا وَجْهَانِ مُخْتَلِفَانِ وَإِنْ كَانَ ذَاتُ الْفِعْلِ وَاحِدًا. الْجَوَابُ الثَّالِثُ: هُوَ أَنَّا نَقُولُ: تُنْكِرُونَ عَلَى الْقَاضِي - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَيْثُ حَكَمَ بِأَنَّ الْفَرْضَ يَسْقُطُ عِنْدهَا لَا بِهَا بِدَلِيلِ الْإِجْمَاعِ؟ فَسَلِمَ أَنَّهُ مَعْصِيَةٌ؛ وَلَكِنَّ الْأَمْرَ لَا يَدُلَّ عَلَى الْإِجْزَاءِ إذَا أَتَى بِالْمَأْمُورِ وَلَا النَّهْيَ يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الْإِجْزَاءِ، بَلْ يُؤْخَذُ الْإِجْزَاءُ مَنْ دَلِيلٍ آخَرَ كَمَا سَيَأْتِي.
فَإِنْ قِيلَ: هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ اجْتِهَادِيَّةٌ أَمْ قَطْعِيَّةٌ؟ قُلْنَا: هِيَ قَطْعِيَّةٌ وَالْمُصِيبُ فِيهَا وَاحِدٌ؛ لِأَنَّ مَنْ صَحَّحَ أَخَذَ مِنْ الْإِجْمَاعِ وَهُوَ قَاطِعٌ، وَمَنْ أَبْطَلَ أَخَذَ مِنْ التَّضَادِّ الَّذِي بَيْنَ الْقُرْبَةِ وَالْمَعْصِيَةِ، وَيُدَّعَى كَوْنُ ذَلِكَ مُحَالًا بِدَلِيلِ الْعَقْلِ فَالْمَسْأَلَةُ قَطْعِيَّةٌ.
فَإِنْ قِيلَ: ادَّعَيْتُمْ الْإِجْمَاعَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَدْ ذَهَبَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ إلَى بُطْلَانِ هَذِهِ الصَّلَاةِ وَبُطْلَانِ كُلِّ عَقْدٍ مَنْهِيٍّ عَنْهُ حَتَّى الْبَيْعَ فِي وَقْتِ النِّدَاءِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ، فَكَيْفَ تَحْتَجُّونَ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ؟ قُلْنَا: الْإِجْمَاعُ حُجَّةٌ عَلَيْهِ، إذْ عَلِمْنَا أَنَّ الظَّلَمَةَ لَمْ يُؤْمَرُوا بِقَضَاءِ الصَّلَوَاتِ مَعَ كَثْرَةِ وُقُوعِهَا مَعَ أَنَّهُمْ لَوْ أُمِرُوا بِهِ لَانْتَشَرَ، وَإِذَا أُنْكِرَ هَذَا فَيَلْزَمُهُ أَظْهَرُ مِنْهُ وَهُوَ أَنْ لَا تَحِلُّ امْرَأَةٌ لِزَوْجِهَا وَفِي ذِمَّتِهِ دَانِقٌ ظَلَمَ بِهِ، وَلَا يَصِحُّ بَيْعُهُ وَلَا صَلَاتُهُ وَلَا تَصَرُّفَاتُهُ، وَإِنَّهُ لَا يَحْصُلُ التَّحْلِيلُ بِوَطْءِ مَنْ هَذِهِ حَالُهُ؛ لِأَنَّهُ عَصَى بِتَرْكِ رَدِّ الْمَظْلِمَةِ وَلَمْ يَتْرُكْهَا إلَّا بِتَزْوِيجِهِ وَبَيْعِهِ وَصَلَاتِهِ وَتَصَرُّفَاتِهِ، فَيُؤَدِّي إلَى تَحْرِيمِ أَكْثَرِ النِّسَاءِ وَفَوَاتِ أَكْثَرِ الْأَمْلَاكِ، وَهُوَ خَرْقٌ لِلْإِجْمَاعِ قَطْعًا وَذَلِكَ لَا سَبِيلَ إلَيْهِ

[مَسْأَلَةٌ كَمَا يَتَضَادُّ الْحَرَامُ وَالْوَاجِبُ فَيَتَضَادُّ الْمَكْرُوهُ وَالْوَاجِبُ]
ُ كَمَا يَتَضَادُّ الْحَرَامُ وَالْوَاجِبُ فَيَتَضَادُّ الْمَكْرُوهُ وَالْوَاجِبُ
فَلَا يَدْخُلُ مَكْرُوهٌ تَحْتَ الْأَمْرِ حَتَّى يَكُونَ شَيْءٌ وَاحِدٌ مَأْمُورًا بِهِ مَكْرُوهًا، إلَّا أَنْ تَنْصَرِفَ الْكَرَاهِيَةُ عَنْ ذَاتِ الْمَأْمُورِ إلَى غَيْرِهِ كَكَرَاهِيَةِ الصَّلَاةِ فِي الْحَمَّامِ وَأَعْطَانِ الْإِبِلِ وَبَطْنِ الْوَادِي وَأَمْثَالِهِ، فَإِنَّ الْمَكْرُوهَ فِي بَطْنِ الْوَادِي التَّعَرُّضُ لِخَطَرِ السَّيْلِ وَفِي الْحَمَّامِ التَّعَرُّض لِلرَّشَّاشِ أَوْ لِتَخَبُّطِ الشَّيَاطِينِ وَفِي أَعْطَانِ الْإِبِلِ التَّعَرُّضُ لِنِفَارِهَا وَكُلُّ ذَلِكَ مِمَّا يَشْغَلُ الْقَلْبَ فِي الصَّلَاةِ. وَرُبَّمَا شَوَّشَ الْخُشُوعُ بِحَيْثُ لَا يَنْقَدِحُ صَرْفُ الْكَرَاهَةِ عَنْ الْمَأْمُورِ إلَى مَا هُوَ فِي جِوَارِهِ وَصُحْبَتِهِ لِكَوْنِهِ خَارِجًا عَنْ مَاهِيَّتِهِ وَشُرُوطِهِ وَأَرْكَانِهِ، فَلَا يَجْتَمِعُ الْأَمْرُ وَالْكَرَاهِيَةُ؛ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ} [الحج: 29] لَا يَتَنَاوَلُ طَوَافَ الْمُحْدِث الَّذِي نُهِيَ عَنْهُ؛ لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ لَا يَكُونُ مَأْمُورًا بِهِ، وَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ فِي مَسْأَلَةِ الصَّلَاةِ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ انْفَصَلَ

اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 63
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست