responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 62
مَسْأَلَةٌ: مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الْوَاحِدِ بِالنَّوْعِ ظَاهِرٌ،
أَمَّا الْوَاحِدُ بِالتَّعْيِينِ كَصَلَاةِ زَيْدٍ فِي دَارٍ مَغْصُوبَةٍ مِنْ عَمْرٍو فَحَرَكَتُهُ فِي الصَّلَاةِ فِعْلُ وَاحِدٍ بِعَيْنِهِ هُوَ مُكْتَسِبُهُ وَمُتَعَلَّقُ قُدْرَتِهِ؛ فَاَلَّذِينَ سَلَّمُوا فِي النَّوْعِ الْوَاحِدِ نَازَعُوا هَهُنَا فَقَالُوا: لَا تَصِحُّ هَذِهِ الصَّلَاةُ، إذْ يُؤَدِّي الْقَوْلُ بِصِحَّتِهَا إلَى أَنْ تَكُونَ الْعَيْنُ الْوَاحِدَةُ مِنْ الْأَفْعَالِ حَرَامًا وَاجِبًا، وَهُوَ مُتَنَاقِضٌ فَقِيلَ لَهُمْ: هَذَا خِلَافُ إجْمَاعِ السَّلَفِ، فَإِنَّهُمْ مَا أَمَرُوا الظَّلَمَة عِنْدَ التَّوْبَةِ بِقَضَاءِ الصَّلَوَاتِ الْمُؤَدَّاةِ فِي الدُّورِ الْمَغْصُوبَةِ مَعَ كَثْرَةِ وُقُوعِهَا، وَلَا نَهُوا الظَّالِمِينَ عَنْ الصَّلَاةِ فِي الْأَرَاضِي الْمَغْصُوبَةِ، فَأَشْكَلَ الْجَوَابُ عَلَى الْقَاضِي أَبِي بَكْرٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فَقَالَ: يَسْقُطُ الْوُجُوبُ عِنْدهَا لَا بِهَا بِدَلِيلِ الْإِجْمَاع وَلَا يَقَعُ وَاجِبًا؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ مَا يُثَابُ عَلَيْهِ.
وَكَيْفَ يُثَابُ عَلَى مَا يُعَاقَبُ عَلَيْهِ وَفِعْلُهُ وَاحِدٌ هُوَ كَوْنٌ فِي الدَّارِ الْمَغْصُوبَةِ وَسُجُودُهُ وَرُكُوعُهُ أَكْوَانٌ اخْتِيَارِيَّةٌ هُوَ مُعَاقَبٌ عَلَيْهَا وَمَنْهِيٌّ عَنْهَا؟ وَكُلُّ مَنْ غَلَبَ عَلَيْهِ الْكَلَامُ قَطَعَ بِهَذَا نَظَرًا إلَى اتِّحَادِ أَكْوَانِهِ فِي حَالَةٍ مِنْ أَحْوَالِهِ وَأَنَّ الْحَادِثَ مِنْهُ الْأَكْوَانُ لَا غَيْرُهَا وَهُوَ مُعَاقَبٌ عَلَيْهَا عَاصٍ بِهَا، فَكَيْفَ يَكُونُ مُتَقَرِّبًا بِمَا هُوَ مُعَاقَبٌ عَلَيْهِ وَمُطِيعًا بِمَا هُوَ بِهِ عَاصٍ؟ وَهَذَا غَيْرُ مَرْضِيِّ عِنْدَنَا، بَلْ نَقُولُ: الْفِعْلُ وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا فِي نَفْسِهِ فَإِذَا كَانَ لَهُ وَجْهَانِ مُتَغَايِرَانِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مَطْلُوبًا مِنْ أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ مَكْرُوهًا مِنْ الْوَجْهِ الْآخَرِ، وَإِنَّمَا الْمُحَالُ أَنْ يُطْلَبَ مِنْ الْوَجْهِ الَّذِي يُكْرَهُ بِعَيْنِهِ، وَفِعْلُهُ مِنْ حَيْثُ إنَّهُ صَلَاةٌ مَطْلُوبٌ وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ غَصْبٌ مَكْرُوهٌ، وَالْغَصْبُ مَعْقُولٌ دُونَ الصَّلَاةِ وَالصَّلَاةُ مَعْقُولَةٌ دُون الْغَصْبِ، وَقَدْ اجْتَمَعَ الْوَجْهَانِ فِي فِعْلٍ وَاحِدٍ وَمُتَعَلَّقُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ الْوَجْهَانِ الْمُتَغَايِرَانِ.
وَكَذَلِكَ يُعْقَلُ مِنْ السَّيِّدِ أَنْ يَقُولَ لِعَبْدِهِ: " صَلِّ الْيَوْمَ أَلْف رَكْعَةٍ وَخِطْ هَذَا الثَّوْبَ وَلَا تَدْخُلْ هَذِهِ الدَّارَ، فَإِنْ ارْتَكَبْتَ النَّهْيَ ضَرَبْتُك وَإِنْ امْتَثَلْتَ الْأَمْرَ أَعْتَقْتُكَ ". فَخَاطَ الثَّوْبَ فِي الدَّارِ وَصَلَّى أَلْفَ رَكْعَةٍ فِي تِلْكَ الدَّارِ، فَيَحْسُنُ مِنْ السَّيِّدِ أَنْ يَضْرِبَهُ وَيُعْتِقَهُ وَيَقُولَ أَطَاعَ بِالْخِيَاطَةِ وَالصَّلَاةِ وَعَصَى بِدُخُولِ الدَّارِ، فَكَذَلِكَ فِيمَا نَحْنُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ فَرْقٍ. فَالْفِعْلُ وَإِنْ كَانَ وَاحِدًا فَقَدْ تَضَمَّنَ تَحْصِيلَ أَمْرَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ يَطْلُبُ أَحَدَهُمَا وَيَكْرَهُ الْآخَرَ. وَلَوْ رَمَى سَهْمًا وَاحِدًا إلَى مُسْلِمٍ بِحَيْثُ يَمْرُقُ إلَى كَافِرٍ أَوْ إلَى كَافِرٍ بِحَيْثُ يَمْرُقُ إلَى مُسْلِمٍ، فَإِنَّهُ يُثَابُ وَيُعَاقَبُ وَيَمْلِكُ سَلَبَ الْكَافِرِ وَيُقْتَلُ بِالْمُسْلِمِ قِصَاصًا لِتَضَمُّنِ فِعْلِهِ الْوَاحِدِ أَمْرَيْنِ مُخْتَلِفَيْنِ.
فَإِنْ قِيلَ: ارْتِكَاب الْمَنْهِيِّ عَنْهُ إذَا أَخَلَّ بِشَرْطِ الْعِبَادَةِ أَفْسَدَهَا بِالِاتِّفَاقِ، وَنِيَّةُ التَّقَرُّبِ بِالصَّلَاةِ شَرْطٌ، وَالتَّقَرُّبُ بِالْمَعْصِيَةِ مُحَالٌ، فَكَيْفَ يَنْوِي التَّقَرُّبَ؟ فَالْجَوَابُ مِنْ أَوْجُهٍ: الْأَوَّلِ: أَنَّ الْإِجْمَاعَ إذَا انْعَقَدَ عَلَى صِحَّةِ هَذِهِ الصَّلَاةِ فَلْيَعْلَمْ بِهِ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ نِيَّةَ التَّقَرُّبِ لَيْسَ بِشَرْطٍ أَوْ نِيَّةَ التَّقَرُّبِ بِهَذِهِ الصَّلَاةِ مُمْكِنٌ، وَأَبُو هَاشِمٍ الْجُبَّائِيُّ وَمَنْ خَالَفَ فِي صِحَّةِ الصَّلَاةِ مَسْبُوقٌ بِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَى تَرْكِ تَكْلِيفِ الظَّلَمَةِ قَضَاءَ الصَّلَوَاتِ مَعَ كَثْرَتِهِمْ، وَكَيْفَ يُنْكِرُ سُقُوطَ نِيَّةِ التَّقَرُّبِ؟ وَقَدْ اخْتَلَفُوا فِي اشْتِرَاطِ نِيَّةِ الْفَرْضِيَّةِ وَنِيَّةِ الْإِضَافَةِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى، فَقَالَ قَوْمٌ: لَا يَجِبُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الظُّهْرَ أَوْ الْعَصْرَ فَهُوَ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ.
وَقَدْ ذَهَبَ قَوْمٌ إلَى أَنَّ الصَّلَاةَ تَجِبُ فِي آخِرِ الْوَقْتِ وَالصَّبِيُّ إذَا صَلَّى فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ ثُمَّ بَلَغَ آخِرَهُ أَجْزَأَهُ، وَلَوْ بَلَغَ فِي وَسَطِ الْوَقْتِ مَعَ أَنَّهُ لَا تَتَحَقَّقُ الْفَرْضِيَّةُ فِي حَقِّهِ.
فَإِنْ قِيلَ مَنْ نَوَى الصَّلَاةَ فَقَدْ تَضَمَّنَتْ نِيَّتُهُ الْقُرْبَةَ قُلْنَا: إذَا صَحَّتْ الصَّلَاةُ بِالْإِجْمَاعِ وَاسْتَحَالَ نِيَّةُ التَّقَرُّبُ فَتُلْغَى تِلْكَ النِّيَّة. وَيَصِحُّ أَنْ يُقَالَ تَعَلَّقَتْ نِيَّةُ التَّقَرُّبِ بِبَعْضِ أَجْزَاءِ

اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 62
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست