responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 61
الْأَمْرِ. وَهُوَ فَاسِدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدِهِمَا: أَنَّهُ شَاعَ فِي لِسَانِ الْعُلَمَاءِ أَنَّ الْأَمْرَ يَنْقَسِمُ إلَى أَمْرِ إيجَابٍ وَأَمْر اسْتِحْبَابٍ وَمَا شَاعَ أَنَّهُ يَنْقَسِمُ إلَى أَمْرِ إبَاحَةٍ وَأَمْرِ إيجَابٍ مَعَ أَنَّ صِيغَةَ الْأَمْرِ قَدْ تُطْلَقُ لِإِرَادَةِ الْإِبَاحَةِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِذَا حَلَلْتُمْ فَاصْطَادُوا} [المائدة: 2] {فَإِذَا قُضِيَتْ الصَّلَاةُ فَانْتَشِرُوا} [الجمعة: 10] وَالثَّانِي: أَنَّ فِعْلَ الْمَنْدُوبِ طَاعَةٌ بِالِاتِّفَاقِ.
وَلَيْسَ طَاعَةً لِكَوْنِهِ مُرَادًا إذْ الْأَمْرُ عِنْدنَا يُفَارِقُ الْإِرَادَةَ. وَلَا لِكَوْنِهِ مَوْجُودًا أَوْ حَادِثًا أَوْ لِذَاتِهِ أَوْ صِفَةِ نَفْسِهِ، إذْ يَجْرِي ذَلِكَ فِي الْمُبَاحَاتِ. وَلَا لِكَوْنِهِ مُثَابًا عَلَيْهِ، فَإِنَّ الْمَأْمُورَ وَإِنْ لَمْ يُثَبْ وَلَمْ يُعَاقَبْ إذَا امْتَثَلَ كَانَ مُطِيعًا. وَإِنَّمَا الثَّوَابُ لِلتَّرْغِيبِ فِي الطَّاعَةِ؛ وَلِأَنَّهُ قَدْ يُحْبِطُ بِالْكُفْرِ ثَوَابَ طَاعَتِهِ وَلَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ مُطِيعًا.
فَإِنْ قِيلَ: الْأَمْرُ عِبَارَةٌ عَنْ اقْتِضَاءٍ جَازِمٍ لَا تَخْيِيرَ مَعَهُ وَالنَّدْبُ مَقْرُونٌ بِتَجْوِيزِ التَّرْكِ وَالتَّخْيِيرِ فِيهِ، وَقَوْلُكُمْ إنَّهُ يُسَمَّى مُطِيعًا يُقَابِلهُ أَنَّهُ لَوْ تَرَكَ لَا يُسَمَّى عَاصِيًا. قُلْنَا: النَّدْبُ اقْتِضَاءٌ جَازِمٌ لَا تَخْيِيرَ فِيهِ؛ لِأَنَّ التَّخْيِيرَ عِبَارَةٌ عَنْ التَّسْوِيَةِ فَإِذَا رَجَّحَ جِهَةَ الْفِعْلِ بِرَبْطِ الثَّوَابِ بِهِ ارْتَفَعَتْ التَّسْوِيَةُ وَالتَّخْيِيرُ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى فِي الْمُحَرَّمَاتِ أَيْضًا {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29] فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُظَنَّ أَنَّ الْأَمْرَ اقْتِضَاءٌ جَازِمٌ بِمَعْنَى أَنَّ الشَّرْعَ يَطْلُبُ مِنْهُ شَيْئًا لِنَفْسِهِ بَلْ يَطْلُبُ مِنْهُ لِمَا فِيهِ مِنْ صَلَاحِهِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى يَقْتَضِي مِنْ عِبَادِهِ مَا فِيهِ صَلَاحُهُمْ وَلَا يَرْضَى الْكُفْرَ لَهُمْ، وَكَذَلِكَ يَقْتَضِي النَّدْبَ لِنَيْلِ الثَّوَابِ، وَيَقُولُ: الْفِعْلُ وَالتَّرْكُ سِيَّانِ بِالْإِضَافَةِ إلَيَّ أَمَّا فِي حَقِّكَ فَلَا مُسَاوَاةَ وَلَا خِيَرَة إذْ فِي تَرْكِهِ تَرْكُ صَلَاحِكَ وَثَوَابِكَ، فَهُوَ اقْتِضَاء جَازِم.
وَأَمَّا قَوْلُهُمْ: إنَّهُ لَا يُسَمَّى عَاصِيًا، فَسَبَبُهُ أَنَّ الْعِصْيَانَ اسْم ذَمٍّ وَقَدْ أُسْقِطَ الذَّمُّ عَنْهُ، نَعَمْ يُسَمَّى مُخَالِفًا وَغَيْرَ مُمْتَثِلٍ كَمَا يُسَمَّى فَاعِلُهُ مُوَافِقًا وَمُطِيعًا

مَسْأَلَةٌ: إذَا عَرَفْت أَنَّ الْحَرَامَ ضِدُّ الْوَاجِبِ
؛ لِأَنَّهُ الْمُقْتَضَى تَرْكُهُ وَالْوَاجِبُ هُوَ الْمُقْتَضَى فِعْلُهُ، فَلَا يَخْفَى عَلَيْكَ أَنَّ الشَّيْءَ الْوَاحِدَ يَسْتَحِيلُ أَنْ يَكُونَ وَاجِبًا حَرَامًا طَاعَةً مَعْصِيَةً؛ لَكِنْ رُبَّمَا تَخْفَى عَلَيْكَ حَقِيقَةُ الْوَاحِدِ، فَالْوَاحِدُ يَنْقَسِمُ إلَى وَاحِدٍ بِالنَّوْعِ وَإِلَى وَاحِدٍ بِالْعَدَدِ. أَمَّا الْوَاحِدُ بِالنَّوْعِ كَالسُّجُودِ مَثَلًا، فَإِنَّهُ نَوْعٌ وَاحِدٌ مِنْ الْأَفْعَالِ؛ فَيَجُوزُ أَنْ يَنْقَسِمَ إلَى الْوَاجِبِ وَالْحَرَامِ وَيَكُونُ انْقِسَامُهُ بِالْأَوْصَافِ وَالْإِضَافَاتِ كَالسُّجُودِ لِلَّهِ تَعَالَى وَالسُّجُودِ لِلصَّنَمِ، إذْ أَحَدُهُمَا وَاجِبٌ وَالْآخَرُ حَرَامٌ وَلَا تَنَاقُضَ.
وَذَهَبَ بَعْضُ الْمُعْتَزِلَةِ إلَى تَنَاقُضٍ، فَإِنَّ السُّجُودَ نَوْعٌ وَاحِدٌ مَأْمُورٌ بِهِ فَيَسْتَحِيلُ أَنْ يُنْهَى عَنْهُ، بَلْ السَّاجِدُ لِلصَّنَمِ عَاصٍ بِقَصْدِ تَعْظِيمِ الصَّنَمِ لَا بِنَفْسِ السُّجُودِ. وَهَذَا خَطَأٌ فَاحِشٌ، فَإِنَّهُ إذَا تَغَايَرَ مُتَعَلَّقُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ لَمْ يَتَنَاقَضْ، وَالسُّجُودُ لِلصَّنَمِ غَيْرُ السُّجُودِ لِلَّهِ تَعَالَى؛ لِأَنَّ اخْتِلَافَ الْإِضَافَاتِ وَالصِّفَاتِ يُوجِبُ الْمُغَايَرَةَ إذْ الشَّيْءُ لَا يُغَايِرُ نَفْسَهُ.
وَالْمُغَايَرَةُ تَارَةً تَكُونُ بِاخْتِلَافِ النَّوْعِ وَتَارَةً بِاخْتِلَافِ الْوَصْفِ وَتَارَةً بِاخْتِلَافِ الْإِضَافَةِ، وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ} [فصلت: 37] ، وَلَيْسَ الْمَأْمُورُ بِهِ هُوَ الْمَنْهِيُّ عَنْهُ، وَالْإِجْمَاعُ مُنْعَقِدٌ عَلَى أَنَّ السَّاجِدَ لِلشَّمْسِ عَاصٍ بِنَفْسِ السُّجُودِ وَالْقَصْدِ جَمِيعًا.
فَقَوْلُهُمْ: إنَّ السُّجُودَ نَوْعٌ وَاحِدٌ لَا يُغْنِي مَعَ انْقِسَامِ هَذَا النَّوْعِ إلَى أَقْسَامٍ مُخْتَلِفَةِ الْمَقَاصِدِ، إذْ الْمَقْصُودُ بِهَذَا السُّجُودِ تَعْظِيمُ الصَّنَمِ دُونَ تَعْظِيمِ اللَّهِ تَعَالَى، وَاخْتِلَافُ وُجُوهِ الْفِعْلِ كَاخْتِلَافِ نَفْسِ الْفِعْلِ فِي حُصُولِ الْغَيْرِيَّة الرَّافِعَةِ لِلتَّضَادِّ، فَإِنَّ التَّضَادَّ إنَّمَا يَكُونُ بِالْإِضَافَةِ إلَى وَاحِدٍ وَلَا وَحْدَةَ مَعَ الْمُغَايَرَةِ

اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 61
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست