responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 368
تَيَمَّمَ لِيُصَلِّيَ وَقَدَرَ غَيْرُهُ عَلَى أَنْ يُزِيلَ عَجْزَهُ بِحَمْلِ مَاءٍ إلَيْهِ لَمْ يَلْزَمْهُ، فَفِي هَذِهِ الدَّقِيقَةِ يَخْتَلِفُ حُكْمُ الْعِلْمِ وَالْجَهْلِ وَحُكْمُ سَائِرِ الْأَوْصَافِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَلَوْ خَالَفَ الْحَاكِمُ قِيَاسًا جَلِيًّا هَلْ يُنْقَضُ حُكْمُهُ؟ قُلْنَا: قَالَ الْفُقَهَاءُ: يُنْقَضُ. فَإِنْ أَرَادُوا بِهِ مَا هُوَ فِي مَعْنَى الْأَصْلِ مِمَّا يُقْطَعُ بِهِ فَهُوَ صَحِيحٌ، وَإِنْ أَرَادُوا بِهِ قِيَاسًا مَظْنُونًا مَعَ كَوْنِهِ جَلِيًّا فَلَا وَجْهَ لَهُ، إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ ظَنٍّ وَظَنٍّ، فَإِذَا انْتَفَى الْقَاطِعُ فَالظَّنُّ يَخْتَلِفُ بِالْإِضَافَةِ وَمَا يَخْتَلِفُ بِالْإِضَافَةِ فَلَا سَبِيلَ إلَى تَتَبُّعِهِ فَإِنْ قِيلَ: فَمَنْ حَكَمَ عَلَى خِلَافِ خَبَرِ الْوَاحِدِ أَوْ بِمُجَرَّدِ صِيغَةِ الْأَمْرِ أَوْ حَكَمَ فِي الْفَسَادِ بِمُجَرَّدِ النَّهْيِ فَهَلْ يُنْقَضُ حُكْمُهُ وَقَدْ قَطَعْتُمْ بِصِحَّةِ خَبَرِ الْوَاحِدِ وَأَنَّ صِيغَةَ الْأَمْرِ لَا تَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ وَالنَّهْيَ لَا يَدُلُّ بِمُجَرَّدِهِ عَلَى الْفَسَادِ؟
قُلْنَا مَهْمَا كَانَتْ الْمَسْأَلَةُ ظَنِّيَّةً فَلَا يُنْقَضُ الْحُكْمُ؛ لِأَنَّا لَا نَدْرِي أَنَّهُ حُكْمٌ لِرَدِّهِ خَبَرَ الْوَاحِدِ أَوْ أَنَّهُ حُكْمٌ بِمُجَرَّدِ صِيغَةِ الْأَمْرِ، بَلْ لَعَلَّهُ كَانَ حُكْمُ الدَّلِيلِ آخَرَ ظَهَرَ لَهُ، فَإِنْ عَلِمْنَا أَنَّهُ حَكَمَ لِذَلِكَ لَا لِغَيْرِهِ وَكَانَتْ الْمَسْأَلَةُ مَعَ ذَلِكَ ظَنِّيَّةً اجْتِهَادِيَّةً، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يُنْقَضَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ لِلَّهِ فِي الْمَسْأَلَةِ الظَّنِّيَّةِ حُكْمٌ مُعَيَّنٌ فَقَدْ حَكَمَ بِمَا هُوَ حُكْمُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى بَعْضِ الْمُجْتَهِدِينَ، فَإِنْ أَخْطَأَ الطَّرِيقَ فَلَيْسَ مُخْطِئًا فِي نَفْسِ الْحُكْمِ بَلْ حَكَمَ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ.
وَعَلَى الْجُمْلَةِ الْحُكْمُ فِي مَسْأَلَةٍ فِيهَا خَبَرُ وَاحِدٍ عَلَى خِلَافِ الْخَبَرِ لَيْسَ حُكْمًا بِرَدِّ الْخَبَرِ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا الْمَقْطُوعُ بِهِ كَوْنُ الْخَبَرِ حُجَّةً عَلَى الْجُمْلَةِ، أَمَّا آحَادُ الْمَسَائِلِ فَلَا يُقْطَعُ فِيهَا بِحُكْمٍ.
فَإِنْ قِيلَ: فَإِنْ حَكَمَ بِخِلَافِ اجْتِهَادِهِ لَكِنْ وَافَقَ مُجْتَهِدًا آخَرَ وَقَلَّدَهُ فَهَلْ يُنْقَضُ حُكْمُهُ؟ وَلَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ مُقَلِّدٌ بِخِلَافِ مَذْهَبِ إمَامِهِ فَهَلْ يُنْقَضُ؟ قُلْنَا: هَذَا فِي حَقِّ الْمُجْتَهِدِ لَا يُعْرَفُ يَقِينًا بَلْ يُحْتَمَلُ تَغَيُّرُ اجْتِهَادِهِ، وَأَمَّا الْمُقَلِّدُ فَلَا يَصِحُّ حُكْمُهُ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ، وَنَحْنُ وَإِنْ حَكَمْنَا بِتَنْفِيذِ حُكْمِ الْمُقَلِّدِينَ فِي زَمَانِنَا لِضَرُورَةِ الْوَقْتِ فَإِنْ قَضَيْنَا بِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ لِلْمُقَلِّدِ أَنْ يَتْبَعَ أَيَّ مُفْتٍ شَاءَ بَلْ عَلَيْهِ اتِّبَاعُ إمَامِهِ الَّذِي هُوَ أَحَقُّ بِالصَّوَابِ فِي ظَنِّهِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُنْقَضَ حُكْمُهُ، وَلَوْ جَوَّزْنَا ذَلِكَ؛ فَإِذَا وَافَقَ مَذْهَبَ ذِي مَذْهَبٍ فَقَدْ وَقَعَ الْحُكْمُ فِي مَحَلِّ الِاجْتِهَادِ فَلَا يُنْقَضُ.
وَهَذِهِ مَسَائِلُ فِقْهِيَّةٌ أَعْنِي نَقْضَ الْحُكْمِ فِي هَذِهِ الصُّوَرِ وَلَيْسَتْ مِنْ الْأُصُولِ فِي شَيْءٍ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

[مَسْأَلَةٌ فِي وُجُوبِ الِاجْتِهَادِ عَلَى الْمُجْتَهِدِ وَتَحْرِيمِ التَّقْلِيدِ عَلَيْهِ]
وَقَدْ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ إذَا فَرَغَ مِنْ الِاجْتِهَادِ وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ حُكْمٌ فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُقَلِّدَ مُخَالِفَهُ وَيَعْمَلَ بِنَظَرِ غَيْرِهِ وَيَتْرُكَ نَظَرَ نَفْسِهِ، أَمَّا إذَا لَمْ يَجْتَهِدْ بَعْدُ وَلَمْ يَنْظُرْ فَإِنْ كَانَ عَاجِزًا عَنْ الِاجْتِهَادِ كَالْعَامِّيِّ فَلَهُ التَّقْلِيدُ، وَهَذَا لَيْسَ مُجْتَهِدًا لَكِنْ رُبَّمَا يَكُونُ مُتَمَكِّنًا مِنْ الِاجْتِهَادِ فِي بَعْضِ الْأُمُورِ وَعَاجِزًا عَنْ الْبَعْضِ إلَّا بِتَحْصِيلِ عِلْمٍ عَلَى سَبِيلِ الِابْتِدَاءِ، كَعِلْمِ النَّحْوِ مَثَلًا فِي مَسْأَلَةٍ نَحْوِيَّةٍ وَعِلْمِ صِفَاتِ الرِّجَالِ وَأَحْوَالِهِمْ فِي مَسْأَلَةٍ خَبَرِيَّةٍ وَقَعَ النَّظَرُ فِيهَا فِي صِحَّةِ الْإِسْنَادِ؛ فَهَذَا مِنْ حَيْثُ حَصَّلَ بَعْضَ الْعُلُومِ وَاسْتَقَلَّ بِهَا لَا يُشْبِهُ الْعَامِّيَّ، وَمِنْ حَيْثُ إنَّهُ لَمْ يُحَصِّلْ هَذَا الْعِلْمَ فَهُوَ كَالْعَامِّيِّ، فَيَلْحَقُ بِالْعَامِّيِّ أَوْ بِالْعَالِمِ؟ فِيهِ نَظَرٌ.
وَالْأَشْهَرُ وَالْأَشْبَهُ أَنَّهُ كَالْعَامِّيِّ، وَإِنَّمَا الْمُجْتَهِدُ هُوَ الَّذِي صَارَتْ الْعُلُومُ عِنْدَهُ بِالْقُوَّةِ الْقَرِيبَةِ، أَمَّا إذَا احْتَاجَ إلَى تَعَبٍ كَثِيرٍ فِي التَّعْلِيمِ بَعْدُ فَهُوَ فِي ذَلِكَ الْفَنِّ عَاجِزٌ، وَكَمَا يُمْكِنُهُ تَحْصِيلُهُ فَالْعَامِّيُّ أَيْضًا يُمْكِنُهُ التَّعَلُّمُ وَلَا يَلْزَمُهُ بَلْ يَجُوزُ لَهُ تَرْكُ الِاجْتِهَادِ. وَعَلَى الْجُمْلَةِ بَيْنَ دَرَجَةِ الْمُبْتَدِئِ فِي الْعِلْمِ وَبَيْنَ رُتْبَةِ الْكَمَالِ مَنَازِلُ وَاقِعَةٌ بَيْنَ

اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 368
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست