responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 369
طَرَفَيْنِ، وَلِلنَّظَرِ فِيهَا مَجَالٌ، وَإِنَّمَا كَلَامُنَا الْآنَ فِي الْمُجْتَهِدِ.
لَوْ بَحَثَ عَنْ مَسْأَلَةٍ وَنَظَرَ فِي الْأَدِلَّةِ لَاسْتَقَلَّ بِهَا وَلَا يَفْتَقِرُ إلَى تَعَلُّمِ عِلْمٍ مِنْ غَيْرِهِ فَهَذَا هُوَ الْمُجْتَهِدُ، فَهَلْ يَجِبُ عَلَيْهِ الِاجْتِهَادُ أَمْ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُقَلِّدَ غَيْرَهُ؟ هَذَا مِمَّا اخْتَلَفُوا فِيهِ، فَذَهَبَ قَوْمٌ إلَى أَنَّ الْإِجْمَاعَ قَدْ حَصَلَ عَلَى أَنَّ مَنْ وَرَاءَ الصَّحَابَةِ لَا يَجُوزُ تَقْلِيدُهُمْ وَقَالَ قَوْمٌ: مَنْ وَرَاءَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَكَيْفَ يَصِحُّ دَعْوَى الْإِجْمَاعِ؟ وَمِمَّنْ قَالَ بِتَقْلِيدِ الْعَالِمِ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ بْنُ رَاهْوَيْهِ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ: يُقَلِّدُ الْعَالِمُ الْأَعْلَمَ وَلَا يُقَلِّدُ مَنْ هُوَ دُونَهُ أَوْ مِثْلُهُ
وَذَهَبَ الْأَكْثَرُونَ مِنْ أَهْلِ الْعِرَاقِ إلَى جَوَازِ تَقْلِيدِ الْعَالِمِ الْعَالِمَ فِيمَا يُفْتِي وَفِيمَا يَخُصُّهُ. وَقَالَ قَوْمٌ: يَجُوزُ فِيمَا يَخُصُّهُ دُونَ مَا يُفْتِي وَخَصَّصَ قَوْمٌ مِنْ جُمْلَةِ مَا يَخُصُّهُ مَا يَفُوتُ وَقْتُهُ لَوْ اشْتَغَلَ بِالِاجْتِهَادِ وَاخْتَارَ الْقَاضِي مَنْعَ تَقْلِيدِ الْعَالِمِ لِلصَّحَابَةِ وَلِمَنْ بَعْدَهُمْ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ عِنْدَنَا وَالْمَسْأَلَةُ ظَنِّيَّةٌ اجْتِهَادِيَّةٌ.
وَاَلَّذِي يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ تَقْلِيدَ مَنْ لَا تَثْبُتُ عِصْمَتُهُ وَلَا يُعْلَمُ بِالْحَقِيقَةِ إصَابَتُهُ بَلْ يَجُوزُ خَطَؤُهُ وَتَلْبِيسُهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِنَصٍّ أَوْ قِيَاسٍ عَلَى مَنْصُوصٍ وَلَا نَصَّ وَلَا مَنْصُوصَ إلَّا الْعَامِّيَّ وَالْمُجْتَهِدَ، إذْ لِلْمُجْتَهِدِ أَنْ يَأْخُذَ بِنَظَرِ نَفْسِهِ وَإِنْ لَمْ يَتَحَقَّقْ وَلِلْعَامِّيِّ أَنْ يَأْخُذَ بِقَوْلِهِ؛ أَمَّا الْمُجْتَهِدُ إنَّمَا يَجُوزُ لَهُ الْحُكْمُ بِظَنِّهِ لِعَجْزِهِ عَنْ الْعِلْمِ فَالضَّرُورَةُ دَعَتْ إلَيْهِ فِي كُلِّ مَسْأَلَةٍ لَيْسَ فِيهَا دَلِيلٌ قَاطِعٌ.
أَمَّا الْعَامِّيُّ فَإِنَّمَا جُوِّزَ لَهُ تَقْلِيدُ غَيْرِهِ لِلْعَجْزِ عَنْ تَحْصِيلِ الْعِلْمِ وَالظَّنِّ بِنَفْسِهِ، وَالْمُجْتَهِدُ غَيْرُ عَاجِزٍ فَلَا يَكُونُ فِي مَعْنَى الْعَاجِزِ فَيَنْبَغِي أَنْ يَطْلُبَ الْحَقَّ بِنَفْسِهِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ الْخَطَأُ عَلَى الْعَالِمِ بِوَضْعِ الِاجْتِهَادِ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ وَالْمُبَادَرَةِ قَبْلَ اسْتِتْمَامِ الِاجْتِهَادِ وَالْغَفْلَةِ عَنْ دَلِيلٍ قَاطِعٍ وَهُوَ قَادِرٌ عَلَى مَعْرِفَةِ جَمِيعِ ذَلِكَ لِيَتَوَصَّلَ فِي بَعْضِهَا إلَى الْيَقِينِ وَفِي بَعْضِهَا إلَى الظَّنِّ، فَكَيْفَ يَنْبَنِي الْأَمْرُ عَلَى عَمَايَةٍ كَالْعُمْيَانِ وَهُوَ بَصِيرٌ بِنَفْسِهِ؟ وَهُوَ لَيْسَ يَقْدِرُ إلَّا عَلَى تَحْصِيلِ ظَنٍّ وَظَنُّ غَيْرِهِ كَظَنِّهِ لَا سِيَّمَا عِنْدَكُمْ وَقَدْ صَوَّبْتُمْ كُلَّ مُجْتَهِدٍ.
قُلْنَا: مَعَ هَذَا إذَا حَصَلَ ظَنُّهُ لَمْ يَجُزْ لَهُ اتِّبَاعُ ظَنِّ غَيْرِهِ فَكَانَ ظَنُّهُ أَصْلًا وَظَنُّ غَيْرِهِ بَدَلًا، يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَجُزْ الْعُدُولُ إلَيْهِ مَعَ وُجُودِ الْمُبْدَلِ فَلَا يَجُوزُ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْمُبْدَلِ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَبْدَالِ وَالْمُبْدَلَاتِ إلَّا إنْ وَرَدَ نَصٌّ بِالتَّخْيِيرِ فَتَرْتَفِعُ الْبَدَلِيَّةُ أَوْ يَرِدَ نَصٌّ بِأَنَّهُ بَدَلٌ عِنْدَ الْوُجُودِ لَا عِنْدَ الْعَدَمِ، كَبِنْتِ مَخَاضٍ وَابْنِ لَبُونٍ فِي خَمْسٍ وَعِشْرِينَ مِنْ الْإِبِلِ، فَإِنَّ وُجُوبَ بِنْتِ مَخَاضٍ يَمْنَعُ مِنْ قَبُولِ ابْنِ لَبُونٍ وَالْقُدْرَةُ عَلَى شِرَائِهِ لَا تَمْنَعُ مِنْهُ.
فَإِنْ قِيلَ: حَصَرْتُمْ طَرِيقَ مَعْرِفَةِ الْحَقِّ فِي الْإِلْحَاقِ ثُمَّ قَطَعْتُمْ طَرِيقَ الْإِلْحَاقِ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ مَأْخَذَهُ الْإِلْحَاقُ بَلْ عُمُومَاتٌ تَشْمَلُ الْعَامِّيَّ وَالْعَالِمَ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل: 43] وَمَا أَرَادَ مَنْ لَا يَعْلَمُ شَيْئًا أَصْلًا فَإِنَّ ذَاكَ مَجْنُونٌ أَوْ صَبِيٌّ بَلْ مَنْ لَا يَعْلَمُ تِلْكَ الْمَسْأَلَةَ، وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء: 59] وَهُمْ الْعُلَمَاءُ.
قُلْنَا: أَمَّا قَوْله تَعَالَى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ} [النحل: 43] فَإِنَّهُ لَا حُجَّةَ فِيهِ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدِهِمَا: أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَمْرُ الْعَوَامّ بِسُؤَالِ الْعُلَمَاءِ إذْ يَنْبَغِي أَنْ يَتَمَيَّزَ السَّائِلُ عَنْ الْمَسْئُولِ فَمَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ مَسْئُولٌ وَلَيْسَ بِسَائِلٍ، وَلَا يَخْرُجُ عَنْ كَوْنِهِ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ بِأَنْ لَا تَكُونَ الْمَسْأَلَةُ حَاضِرَةً فِي ذِهْنِهِ إذْ هُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْ مَعْرِفَتِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَعَلَّمَ مِنْ غَيْرِهِ.
الثَّانِي: أَنَّ مَعْنَاهُ: سَلُوا لِتَعْلَمُوا، أَيْ سَلُوا عَنْ الدَّلِيلِ لِتَحْصِيلِ الْعِلْمِ، كَمَا يُقَالُ: كُلْ لِتَشْبَعَ، وَاشْرَبْ لِتُرْوَى.

اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 369
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست