responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 268
الْمَسْلَكُ الْخَامِسُ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَهِمَ مِنْ قَوْلِهِ: «إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ» نَفْيَ رِبَا الْفَضْلِ، وَكَذَلِكَ عَقَلَ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {فَإِنْ كَانَ لَهُ إخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ} [النساء: 11] أَنَّهُ إنْ كَانَ لَهُ أَخَوَانِ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ، وَكَذَلِكَ قَالَ: " الْأَخَوَاتُ لَا يَرِثْنَ مَعَ الْأَوْلَادِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النساء: 176] فَإِنَّهُ لَمَّا جَعَلَ لَهَا النِّصْفَ بِشَرْطِ عَدَمِ الْوَلَدِ دَلَّ عَلَى انْتِفَائِهِ عِنْدَ وُجُودِ الْوَلَدِ. وَالْجَوَابُ عَنْ هَذَا مِنْ أَوْجُهٍ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ هَذَا غَايَتُهُ أَنْ يَكُونَ مَذْهَبَ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَلَا حُجَّةَ فِيهِ.
الثَّانِي: أَنَّ جَمِيعَ الصَّحَابَةِ خَالَفُوهُ فِي ذَلِكَ، فَإِنْ دَلَّ مَذْهَبُهُ عَلَيْهِ دَلَّ مَذْهَبُهُمْ عَلَى نَقِيضِهِ.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ أَنَّهُ دَفَعَ رِبَا الْفَضْلِ بِمُجَرَّدِ هَذَا اللَّفْظِ بَلْ رُبَّمَا دَفَعَهُ بِدَلِيلٍ آخَرَ، وَقَرِينَةٍ أُخْرَى.
الرَّابِعُ: أَنَّهُ لَعَلَّهُ اعْتَقَدَ أَنَّ الْبَيْعَ أَصْلُهُ عَلَى الْإِبَاحَةِ بِدَلِيلِ الْعَقْلِ أَوْ عُمُومِ قَوْله تَعَالَى: {، وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا} [البقرة: 275] فَإِذَا كَانَ النَّهْيُ قَاصِرًا عَلَى النَّسِيئَةِ كَانَ الْبَاقِي حَلَالًا بِالْعُمُومِ، وَدَلِيلِ الْعَقْلِ لَا بِالْمَفْهُومِ.
الْخَامِسُ: أَنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ: «لَا رِبَا إلَّا فِي النَّسِيئَةِ» ، وَهَذَا نَصٌّ فِي النَّفْي، وَالْإِثْبَاتِ، وَقَوْلُهُ: «إنَّمَا الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ» أَيْضًا قَدْ أَقَرَّ بِهِ بَعْضُ مُنْكِرِي الْمَفْهُومِ لِمَا فِيهِ مِنْ الْحَصْرِ.
الْمَسْلَكُ السَّادِسُ: أَنَّهُ إذَا قَالَ: اشْتَرِ لِي عَبْدًا أَسْوَدَ، يُفْهَمُ نَفْيُ الْأَبْيَضِ، وَإِذَا قَالَ: اضْرِبْهُ إذَا قَامَ: يُفْهَمُ الْمَنْعُ إذَا لَمْ يَقُمْ. قُلْنَا: هَذَا بَاطِلٌ، بَلْ الْأَصْلُ مَنْعُ الشِّرَاءِ، وَالضَّرْبِ إلَّا فِيمَا أَذِنَ، وَالْإِذْنُ قَاصِرٌ فَبَقِيَ الْبَاقِي عَلَى النَّفْيِ، وَتَوَلَّدَ مِنْهُ دَرْكُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْأَبْيَضِ، وَالْأَسْوَدِ، وَعِمَادُ الْفَرْقِ إثْبَاتٌ، وَنَفْيٌ، وَمُسْتَنَدُ النَّفْيِ الْأَصْلُ، وَمُسْتَنَدُ الْإِثْبَاتِ الْإِذْنُ الْقَاصِرُ، وَالذِّهْنُ إنَّمَا يَتَنَبَّهُ لِلْفَرْقِ عِنْدَ الْإِذْنِ الْقَاصِرِ عَلَى الْأَسْوَدِ فَإِنَّهُ يَذْكُرُ الْأَبْيَضَ، فَيَسْبِقُ إلَى الْأَوْهَامِ الْعَامِّيَّةِ أَنَّ إدْرَاكَ الذِّهْنِ هَذَا الِاخْتِصَاصَ، وَالْفَرْقَ مِنْ الذِّكْرِ الْقَاصِرِ لَا بَلْ هُوَ عِنْدَ الذِّكْرِ الْقَاصِرِ لَكِنَّ أَحَدَ طَرَفَيْ الْفَرْقِ حَصَلَ مِنْ الذِّكْرِ، وَالْآخَرَ كَانَ حَاصِلًا فِي الْأَصْلِ، فَيَذْكُرُهُ عِنْدَ التَّخْصِيصِ فَكَانَ حُصُولُ الْفَرْقِ عِنْدَهُ لَا بِهِ؛ فَهَذَا مَزَلَّةُ الْقَدَمِ، وَهُوَ دَقِيقٌ وَلِأَجْلِهِ غَلِطَ الْأَكْثَرُونَ.
، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ أَيْضًا أَنَّهُ لَوْ عَرَضَ عَلَى الْبَيْعِ شَاةً، وَبَقَرَةً، وَغَانِمًا، وَسَالِمًا، وَقَالَ: اشْتَرِ غَانِمًا، وَالشَّاةَ لَسَبَقَ إلَى الْفَهْمِ الْفَرْقُ بَيْنَ غَانِمٍ، وَسَالِمٍ، وَبَيْنَ الْبَقَرَةِ، وَالشَّاةِ، وَاللَّقَبُ لَا مَفْهُومَ لَهُ بِالِاتِّفَاقِ عِنْدَ كُلِّ مُحَصَّلٍ إذْ قَوْلُهُ: «لَا تَبِيعُوا الْبُرَّ بِالْبُرِّ» لَمْ يَدُلَّ عَلَى نَفْيِ الرِّبَا مِنْ غَيْرِ الْأَشْيَاءِ السِّتَّةِ بِالِاتِّفَاقِ، وَلَوْ دَلَّ لَانْحَسَمَ بَابُ الْقِيَاسِ، وَأَنَّ الْقِيَاسَ فَائِدَتُهُ إبْطَالُ التَّخْصِيصِ، وَتَعْدِيَةُ الْحُكْمِ مِنْ الْمَنْصُوصِ إلَى غَيْرِهِ؛ لَكِنَّ مَزَلَّةَ الْقَدَمِ مَا ذَكَرْنَاهُ، وَهُوَ جَارٍ فِي كُلِّ مَا يَتَضَمَّنُ الِاقْتِطَاعَ مِنْ أَصْلٍ ثَابِتٍ كَقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ إنْ دَخَلْتِ الدَّارَ؛ فَإِنْ لَمْ تَدْخُلْ لَمْ تَطْلُقْ؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عَدَمُ الطَّلَاقِ لَا لِتَخْصِيصِ الدُّخُولِ، بِدَلِيلِ أَنَّهُ لَوْ قَالَ: إنْ دَخَلْتِ فَلَسْتِ بِطَالِقٍ، فَلَا يَقَعُ إذَا لَمْ تَدْخُلْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ الْأَصْلُ وُقُوعَ الطَّلَاقِ حَتَّى يَكُونَ تَخْصِيصُ النَّفْيِ بِالدُّخُولِ مُوجِبًا لِلرُّجُوعِ إلَى الْأَصْلِ عِنْدَ عَدَمِ الدُّخُولِ، وَهَذَا وَاضِحٌ.
الْمَسْلَكُ السَّابِعُ: وَعَلَيْهِ تَعْوِيلُ الْأَكْثَرِينَ، وَهُوَ السَّبَبُ الْأَعْظَمُ فِي وُقُوعِ هَذَا الْوَهْمِ: أَنَّ تَخْصِيصَ الشَّيْءِ بِالذِّكْرِ لَا بُدَّ أَنْ تَكُونَ لَهُ فَائِدَةٌ فَإِنْ اسْتَوَتْ السَّائِمَةُ، وَالْمَعْلُوفَةُ، وَالثَّيِّبُ، وَالْبِكْرُ، وَالْعَمْدُ، وَالْخَطَأُ فَلِمَ خَصَّصَ الْبَعْضَ بِالذِّكْرِ، وَالْحُكْمُ شَامِلٌ، وَالْحَاجَةُ إلَى الْبَيَانِ تَعُمُّ

اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 268
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست