responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 227
الْقَوْلُ فِي أَدِلَّةِ أَرْبَابِ الْعُمُومِ، وَنَقْضِهَا، وَهِيَ خَمْسَةٌ:
الدَّلِيلُ الْأَوَّلُ: أَنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ بَلْ أَهْلُ جَمِيعِ اللُّغَاتِ كَمَا عَقَلُوا الْأَعْدَادَ، وَالْأَنْوَاعَ، وَالْأَشْخَاصَ، وَالْأَجْنَاسَ، وَوَضَعُوا لِكُلِّ وَاحِدٍ اسْمًا لِحَاجَتِهِمْ إلَيْهِ عَقَلُوا أَيْضًا مَعْنَى الْعُمُومِ، وَاسْتِغْرَاقِ الْجِنْسِ وَاحْتَاجُوا إلَيْهِ، فَكَيْفَ لَمْ يَضَعُوا لَهُ صِيغَةً، وَلَفْظًا؟ الِاعْتِرَاضُ مِنْ أَرْبَعَةِ أَوْجُهٍ:
الْأَوَّلُ: أَنَّ هَذَا قِيَاسٌ، وَاسْتِدْلَالٌ فِي اللُّغَاتِ، وَاللُّغَةُ تَثْبُتُ تَوْقِيفًا، وَنَقْلًا لَا قِيَاسًا، وَاسْتِدْلَالًا بَلْ هِيَ كَسُنَنِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَلَيْسَ لِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ: الشَّارِعُ كَمَا عَرَّفَ الْأَشْيَاءَ السِّتَّةَ وَجَرَيَانَ الرِّبَا فِيهَا، وَمَسَّتْ إلَيْهِ حَاجَةُ الْخَلْقِ، وَنَصَّ عَلَيْهَا فَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ قَدْ نَصَّ عَلَى سَائِرِ الرِّبَوِيَّاتِ، وَهَذَا فَاسِدٌ.
الثَّانِي: أَنَّهُ، وَإِنْ سُلِّمَ أَنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ فِي الْحِكْمَةِ فَمَنْ يُسَلِّمُ عِصْمَةَ، وَاضِعِي اللُّغَةِ حَتَّى يُخَالِفُوا الْحِكْمَةَ فِي وَضْعِهَا، وَهُمْ فِي حُكْمِ مَنْ يَتْرُكُ مَالًا. تَقْتَضِي الْحِكْمَةُ تَرْكَهُ الثَّالِثُ: أَنَّ هَذَا مَنْقُوضٌ فَإِنَّ الْعَرَبَ عَقِلَتْ الْمَاضِيَ، وَالْمُسْتَقْبَلَ، وَالْحَالَ ثُمَّ لَمْ تَضَعْ لِلْحَالِ لَفْظًا مَخْصُوصًا حَتَّى لَزِمَ اسْتِعْمَالُ الْمُسْتَقْبَلِ أَوْ اسْمِ الْفَاعِلِ فِيهَا، فَتَقُولُ: رَأَيْتُهُ يَضْرِبُ أَوْ ضَارِبًا ثُمَّ كَمَا عَقَلْتَ الْأَلْوَانَ عَقَلْتَ الرَّوَائِحَ ثُمَّ لَمْ تَضَعْ لِلرَّوَائِحِ أَسَامِيَ حَتَّى لَزِمَ تَعْرِيفُهَا بِالْإِضَافَةِ فَيُقَالُ: رِيحُ الْمِسْكِ، وَرِيحُ الْعُودِ، وَلَا يُقَالُ: لَوْنُ الدَّمِ، وَلَوْنُ الزَّعْفَرَانِ بَلْ أَصْفَرُ أَوْ أَحْمَرُ.
الرَّابِعُ: أَنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُمْ لَمْ يَضَعُوا لِلْعُمُومِ لَفْظًا كَمَا لَا نُسَلِّمُ أَنَّهُمْ لَمْ يَضَعُوا لِلْعَيْنِ الْبَاصِرَةِ لَفْظًا، وَإِنْ كَانَ الْعَيْنُ مُشْتَرَكًا بَيْنَ أَشْيَاءَ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ كَوْنِهِ مَوْضُوعًا لَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ وَقْفًا عَلَيْهِ بَلْ صَالِحًا لَهُ وَلِغَيْرِهِ وَكَذَلِكَ صِيَغُ الْجُمُوعِ مُشْتَرَكَةٌ بَيْنَ الْعُمُومِ، وَالْخُصُوصِ.
الدَّلِيلُ الثَّانِي: أَنَّهُ يَحْسُنُ أَنْ تَقُولَ: " اُقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ إلَّا زَيْدًا " " وَمَنْ دَخَلَ الدَّارَ فَأَكْرِمْهُ إلَّا الْفَاسِقَ " " وَمَنْ عَصَانِي عَاقَبْتُهُ إلَّا الْمُعْتَذِرَ " وَمَعْنَى الِاسْتِثْنَاءِ إخْرَاجُ مَا لَوْلَاهُ لَوَجَبَ دُخُولُهُ تَحْتَ اللَّفْظِ، إذْ لَا يَجُوزُ أَنْ تَقُولَ " أَكْرِمْ النَّاسَ إلَّا الثَّوْرَ ". الِاعْتِرَاضُ أَنَّ لِلِاسْتِثْنَاءِ فَائِدَتَيْنِ:
إحْدَاهُمَا: مَا ذَكَرْتُمُوهُ، وَهُوَ إخْرَاجُ مَا يَجِبُ دُخُولُهُ تَحْتَ اللَّفْظِ كَقَوْلِهِ: عَلَيَّ عَشَرَةٌ إلَّا ثَلَاثَةً "
وَالثَّانِي: مَا يَصْلُحُ أَنْ يَدْخُلَ تَحْتَهُ، وَيُتَوَهَّمَ أَنْ يَكُونَ مُرَادًا بِهِ، وَهَذَا صَالِحٌ لَأَنْ يَدْخُلَ تَحْتَ اللَّفْظِ وَالِاسْتِثْنَاءُ لِقَطْعِ صَلَاحِيَّتِهِ لَا لِقَطْعِ وُجُوبِهِ بِخِلَافِ الثَّوْرِ، فَإِنَّ لَفْظَ النَّاسِ لَا يَصْلُحُ لِإِرَادَتِهِ.
الدَّلِيلُ الثَّالِثُ: أَنَّ تَأْكِيدَ الشَّيْءِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ مُوَافِقًا لِمَعْنَاهُ، وَمُطَابِقًا لَهُ، وَتَأْكِيدَ الْخُصُوصِ غَيْرُ تَأْكِيدِ الْعُمُومِ، إذْ يُقَالُ: اضْرِبْ زَيْدًا نَفْسَهُ، وَاضْرِبْ الرِّجَالَ أَجْمَعِينَ أَكْتَعِينَ، وَلَا يُقَالُ: اضْرِبْ زَيْدًا كُلَّهُمْ. الِاعْتِرَاضُ أَنَّ الْخَصْمَ يُسَلِّمُ أَنَّ لَفْظَ الْجَمْعِ يَتَنَاوَلُ قَوْمًا، وَهُوَ أَقَلُّ الْجَمْعِ فَمَا زَادَ، وَيَجُوزُ أَنْ يُقَالَ: اضْرِبْ الْقَوْمَ كُلَّهُمْ لِأَنَّ لِلْقَوْمِ كُلِّيَّةً، وَجُزْئِيَّةً، أَمَّا زَيْدٌ، وَالْوَاحِدُ الْمُعَيَّنُ لَيْسَ لَهُ بَعْضٌ، فَلَيْسَ فِيهِ كُلٌّ وَكَمَا أَنَّ لَفْظَ الْعُمُومِ لَا يَتَعَيَّنُ مَبْلَغُ الْمُرَادِ مِنْهُ بَعْدَ مُجَاوَزَةِ أَقَلِّ الْجَمْعِ فَكَذَلِكَ لَفْظُ الْمُشْرِكِينَ، وَالْمُؤْمِنِينَ، وَالْكَلَامُ فِي أَنَّهُ لِاسْتِغْرَاقِ الْجِنْسِ أَوْ لِأَقَلِّ الْجَمْعِ أَوْ لِعَدَدٍ بَيْنَ الدَّرَجَتَيْنِ وَكَيْفَمَا كَانَ فَلَفْظُ الْكُلِّيَّةِ لَائِقٌ بِهِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَإِذَا قَالَ: " أَكْرِمْ النَّاسَ أَكْتَعِينَ أَجْمَعِينَ كُلَّهُمْ وَكَافَّتَهُمْ يَنْبَغِي أَنْ يَدْخُلَ هَذَا عَلَى الِاسْتِغْرَاقِ ثُمَّ يَكُونَ

اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 227
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست