responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 165
وَهُوَ مُنْتَهَى الْكَلَامِ فِي الْقُطْبِ الثَّانِي الْمُشْتَمِلِ عَلَى أُصُولِ الْأَدِلَّةِ الْمُثْمِرَةِ الَّتِي هِيَ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ وَالْإِجْمَاعُ وَالْعَقْلُ.

[خَاتِمَة الْقُطْبِ مَا يُظَنُّ أَنَّهُ مِنْ أُصُولِ الْأَدِلَّةِ وَلَيْسَ مِنْهَا]
[الْأَصْلُ الْأَوَّلُ مِنْ الْأُصُولِ الْمَوْهُومَةِ شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا]
خَاتِمَةٌ لِهَذَا الْقُطْبِ بِبَيَانِ أَنَّ ثَمَّ مَا يُظَنُّ أَنَّهُ مِنْ أُصُولِ الْأَدِلَّةِ وَلَيْسَ مِنْهَا وَهُوَ أَيْضًا أَرْبَعَةٌ: شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا وَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ، وَالِاسْتِحْسَانُ، وَالِاسْتِصْلَاحُ. فَهَذِهِ أَيْضًا لَا بُدَّ مِنْ شَرْحِهَا.
الْأَصْلُ الْأَوَّلُ مِنْ الْأُصُولِ الْمَوْهُومَةِ: شَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا مِنْ الْأَنْبِيَاءِ فِيمَا لَمْ يُصَرِّحْ شَرْعُنَا بِنَسْخِهِ. وَنُقَدِّمُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ مَسْأَلَةً، وَهِيَ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَبْلَ مَبْعَثِهِ هَلْ كَانَ مُتَعَبِّدًا بِشَرْعِ أَحَدٍ مِنْ الْأَنْبِيَاءِ؟ مِنْهُمْ مَنْ قَالَ لَمْ يَكُنْ مُتَعَبِّدًا، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ: كَانَ مُتَعَبَّدًا. ثُمَّ مِنْهُمْ مَنْ نَسَبَهُ إلَى نُوحٍ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَقَوْمٌ نَسَبُوهُ إلَى إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَقَوْمٌ نَسَبُوهُ إلَى مُوسَى، وَقَوْمٌ إلَى عِيسَى - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - وَالْمُخْتَارُ أَنَّ جَمِيعَ هَذِهِ الْأَقْسَامِ جَائِزٌ عَقْلًا، لَكِنَّ الْوَاقِعَ مِنْهُ غَيْرُ مَعْلُومٍ بِطَرِيقٍ قَاطِعٍ، وَرَجْمُ الظَّنِّ فِيمَا لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ الْآنَ تَعَبُّدٌ عَمَلِيٌّ لَا مَعْنَى لَهُ. فَإِنْ قِيلَ: الدَّلِيلُ الْقَاطِعُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ عَلَى مِلَّةٍ أَنَّهُ لَوْ كَانَ لَافْتَخَرَ بِهِ أُولَئِكَ الْقَوْمُ وَنَسَبُوهُ إلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَكَانَ يَشْتَهِرُ تَلَبُّسُهُ بِشِعَارِهِمْ وَتَتَوَفَّرُ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ.
قُلْنَا: هَذَا يُعَارِضُهُ أَنَّهُ لَوْ كَانَ مُنْسَلِخًا عَنْ التَّكْلِيفِ وَالتَّعَبُّدِ بِالشَّرَائِعِ لَظَهَرَ بِمُخَالَفَتِهِ أَصْنَافُ الْخَلْقِ وَتَوَفَّرَتْ الدَّوَاعِي عَلَى نَقْلِهِ، وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ اخْتِفَاءُ حَالِهِ قَبْلَ الْبَعْثِ مُعْجِزَةً خَارِقَةً لِلْعَادَةِ، وَذَلِكَ مِنْ عَجَائِبِ أُمُورِهِ وَلِلْمُخَالِفِ شُبْهَتَانِ:
الْأُولَى: أَنَّ مُوسَى وَعِيسَى دَعَوَا إلَى دِينِهِمَا كَافَّةَ الْمُكَلَّفِينَ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ تَعَالَى فَكَانَ هُوَ دَاخِلًا تَحْتَ الْعُمُومِ، وَهَذَا بَاطِلٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا أَنَّهُ لَمْ يُنْقَلْ إلَيْنَا عَلَى التَّوَاتُرِ عَنْهُمَا عُمُومُ صِيغَةٍ حَتَّى نَنْظُرَ فِي فَحْوَاهُ فَلَا مُسْتَنَدَ لِهَذِهِ الدَّعْوَى إلَّا الْمُقَايَسَةَ بِدِينِ نَبِيِّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالْمُقَايَسَةُ فِي مِثْلِ هَذَا بَاطِلٌ، وَإِنْ كَانَ عُمُومٌ فَلَعَلَّهُ اسْتَثْنَى عَنْهُ مَنْ يَنْسَخُ شَرِيعَتَهُمَا.
الثَّانِي: أَنَّهُ رُبَّمَا كَانَ زَمَانُهُ زَمَانَ فَتْرَةِ الشَّرَائِعِ وَانْدِرَاسِهَا وَتَعَذُّرِ الْقِيَامِ بِهَا وَلِأَجَلِهِ بُعِثَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَمِنْ أَيْنَ يُعْلَمُ قِيَامُ الْحُجَّةِ عَلَى تَفْصِيلِ شَرِيعَتِهِمَا؟
الثَّانِيَةُ: مِنْ شُبَهِهِمْ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يُصَلِّي وَيَحُجُّ وَيَعْتَمِرُ وَيَتَصَدَّقُ وَيَذْبَحُ الْحَيَوَانَ وَيَجْتَنِبُ الْمَيْتَةَ، وَذَلِكَ لَا يُرْشِدُ إلَيْهِ الْعَقْلُ.
قُلْنَا: هَذَا فَاسِدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنَّ شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ لَمْ يَتَوَاتَرْ بِنَقْلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ وَلَا سَبِيلَ إلَى إثْبَاتِهِ بِالظَّنِّ.
الثَّانِي: أَنَّهُ رُبَّمَا ذَبَحَ الْحَيَوَانَ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ لَا تَحْرِيمَ إلَّا بِالسَّمْعِ وَلَا حُكْمَ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ، وَتَرَكَ الْمَيْتَةَ عِيَافَةً بِالطَّبْعِ كَمَا تَرَكَ أَكْلَ الضَّبِّ عِيَافَةً، وَالْحَجُّ وَالصَّلَاةُ إنْ صَحَّ فَلَعَلَّهُ تَبَرُّكًا بِمَا نُقِلَ جُمْلَتُهُ مِنْ أَنْبِيَاءِ السَّلَفِ، وَإِنْ انْدَرَسَ تَفْصِيلُهُ.

وَنَرْجِعُ الْآنَ إلَى الْأَصْلِ الْمَقْصُودِ، وَهُوَ أَنَّهُ بَعْدَ بَعْثَتِهِ هَلْ كَانَ مُتَعَبِّدًا بِشَرِيعَةِ مَنْ قَبْلَهُ؟ وَالْقَوْلُ فِي الْجَوَازِ الْعَقْلِيِّ وَالْوُقُوعِ السَّمْعِيِّ، أَمَّا الْجَوَازُ الْعَقْلِيُّ فَهُوَ حَاصِلٌ إذْ لِلَّهِ تَعَالَى أَنْ يَتَعَبَّدَ عِبَادَهُ بِمَا شَاءَ مِنْ شَرِيعَةٍ سَابِقَةٍ أَوْ مُسْتَأْنَفَةٍ أَوْ بَعْضُهَا سَابِقَةٌ وَبَعْضُهَا مُسْتَأْنَفَةٌ، وَلَا يَسْتَحِيلُ مِنْهُ شَيْءٌ لِذَاتِهِ وَلَا لِمَفْسَدَةٍ فِيهِ.
وَزَعَمَ بَعْضُ الْقَدَرِيَّةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَعْثَةُ نَبِيٍّ إلَّا بِشَرْعٍ مُسْتَأْنَفٍ، فَإِنَّهُ إنْ لَمْ يُجَدِّدْ أَمْرًا فَلَا فَائِدَةَ فِي بَعْثَتِهِ، وَلَا يُرْسِلُ اللَّهُ تَعَالَى رَسُولًا بِغَيْرِ فَائِدَةٍ. وَيَلْزَمُهُمْ عَلَى هَذَا

اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 165
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست