responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 164
أَنْ لَا يُنَصِّبَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى بَعْضِ الْأَشْيَاءِ دَلِيلًا وَيَسْتَأْثِرَ بِعِلْمِهِ.
الثَّانِي: أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يُنَصِّبَ عَلَيْهِ دَلِيلًا وَنَحْنُ لَا نَتَنَبَّهُ لَهُ وَيَتَنَبَّهُ لَهُ بَعْضُ الْخَوَاصِّ أَوْ بَعْضُ الْأَنْبِيَاءِ وَمَنْ خُصِّصَ بِحَاسَّةٍ سَادِسَةٍ وَذَوْقٍ آخَرَ، بَلْ الَّذِي يُقْطَعُ بِهِ أَنَّ الْأَنْبِيَاءَ يُدْرِكُونَ أُمُورًا نَحْنُ لَا نُدْرِكُهَا وَأَنَّ فِي مَقْدُورَاتِ اللَّهِ أُمُورًا لَيْسَ فِي قُوَّةِ الْبَشَرِ مَعْرِفَتُهَا وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ لِلَّهِ تَعَالَى صِفَاتٌ لَا تُدْرَكُ بِهَذِهِ الْحَوَاسِّ وَلَا بِهَذَا الْعَقْلِ بَلْ بِحَاسَّةٍ سَادِسَةٍ أَوْ سَابِعَةٍ، بَلْ لَا يَسْتَحِيلُ أَنْ تَكُونَ الْيَدُ وَالْوَجْهُ عِبَارَةً عَنْ صِفَاتٍ لَا نَفْهَمُهَا وَلَا دَلِيلَ عَلَيْهَا وَلَوْ لَمْ يَرِدْ السَّمْعُ بِهَا لَكَانَ نَفْيُهَا خَطَأً فَلَعَلَّ مِنْ الصِّفَاتِ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ مَا لَمْ يَرِدْ السَّمْعُ بِالتَّعْبِيرِ عَنْهُ وَلَا فِينَا قُوَّةُ إدْرَاكِهَا، بَلْ لَوْ لَمْ يُخْلَقْ لَنَا السَّمْعُ لَأَنْكَرْنَا الْأَصْوَاتَ وَلَمْ نَفْهَمْهَا.
وَلَوْ لَمْ يُخْلَقْ لَنَا ذَوْقُ الشِّعْرِ لَأَنْكَرْنَا تَفْرِقَةَ صَاحِبِ الْعَرُوضِ بَيْنَ الْمَوْزُونِ وَغَيْرِ الْمَوْزُونِ، فَمَا يُدْرِينَا أَنَّ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى أَنْوَاعًا مِنْ الْحَوَاسِّ لَوْ خَلَقَهَا لَنَا لَأَدْرَكْنَا بِهَا أُمُورًا أُخَرَ نَحْنُ نَنْفِيهَا؟ فَكَانَ هَذَا إنْكَارًا بِالْجَهْلِ وَرَمْيًا فِي الْعِمَايَةِ.
أَمَّا الشَّرْعِيَّاتُ فَقَدْ تَصَادَفَ الدَّلِيلُ عَلَيْهَا مِنْ الْإِجْمَاعِ كَنَفْيِ وُجُوبِ صَوْمِ شَوَّالٍ وَصَلَاةِ الضُّحَى، أَوْ النَّصِّ كَقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا زَكَاةَ فِي الْحُلِيِّ وَلَا زَكَاةَ فِي الْمَعْلُوفَةِ» أَوْ مِنْ الْقِيَاسِ كَقِيَاسِ الْخَضْرَاوَاتِ عَلَى الرُّمَّانِ وَالْبِطِّيخِ الْمَنْصُوصِ عَلَى نَفْيِ الزَّكَاةِ عَنْهُ كَقَوْلِ الرَّاوِي: لَا زَكَاةَ فِي الرُّمَّانِ وَالْبِطِّيخِ بَلْ هُوَ عَفْوٌ عَفَا عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -. وَقَدْ لَا يُسَاعِدُ مِثْلُ هَذَا الدَّلِيلِ فَنَبْحَثُ عَنْ مَدَارِكِ الْإِثْبَاتِ، فَإِذَا لَمْ نَجِدْ رَجَعْنَا إلَى الِاسْتِصْحَابِ لِلنَّفْيِ الْأَصْلِيِّ الثَّابِتِ بِدَلِيلِ الْعَقْلِ، وَهُوَ دَلِيلٌ عِنْدَ عَدَمِ وُرُودِ السَّمْعِ.
وَحَيْثُ أَوْرَدْنَا فِي تَصَانِيفِ الْخِلَافِ أَنَّ النَّافِيَ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ أَرَدْنَا بِهِ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ دَلِيلٌ سَمْعِيٌّ، إذْ يَكْفِيهِ اسْتِصْحَابُ الْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ الَّتِي كُنَّا نَحْكُمُ بِهَا لَوْلَا بَعْثَةُ الرَّسُولِ وَوُرُودُ السَّمْعِ. فَإِنْ قِيلَ: دَلِيلُ الْعَقْلِ مَشْرُوطٌ بِانْتِفَاءِ السَّمْعِ وَانْتِفَاءُ السَّمْعِ غَيْرُ مَعْلُومٍ وَعَدَمُ الْعِلْمِ بِهِ لَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِهِ وَلَا سَبِيلَ إلَى دَعْوَى الْعِلْمِ بِانْتِفَائِهِ فَإِنَّ ذَلِكَ لَا يُعْلَمُ.
قُلْنَا: قَدْ بَيَّنَّا أَنَّ انْتِفَاءَهُ تَارَةً يُعْلَمُ كَمَا فِي انْتِفَاءِ وُجُوبِ صَوْمِ شَوَّالٍ وَصَلَاةِ الضُّحَى، وَتَارَةً يُظَنُّ بِأَنْ يَبْحَثَ مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِ الْبَحْثِ عَنْ مَدَارِك الشَّرْعِ وَالظَّنِّ فِيهِ كَالْعِلْمِ؛ لِأَنَّهُ صَادِرٌ عَنْ اجْتِهَادٍ، إذْ قَدْ يَقُولُ لَوْ كَانَ لَوَجَدْتُهُ، فَإِذَا لَمْ أَجِدْهُ مَعَ شِدَّةِ بَحْثِي دَلَّ أَنَّهُ لَيْسَ بِكَائِنٍ، كَطَالِبِ الْمَتَاعِ فِي الْبَيْتِ إذَا اسْتَقْصَى. فَإِنْ قِيلَ: أَلَيْسَ لِلِاسْتِقْصَاءِ غَايَةٌ مَحْدُودَةٌ بَلْ لِلْبَحْثِ بِدَايَةٌ وَوَسَطٌ وَنِهَايَةٌ، فَمَتَى يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَنْفِيَ الدَّلِيلَ السَّمْعِيَّ الْمُغَيِّرَ؟ قُلْنَا: مَهْمَا رَجَعَ رَجَعَ إلَى نَفْسِهِ فَعُلِمَ أَنَّهُ بَذَلَ غَايَةَ وُسْعِهِ فِي الطَّلَبِ كَطَالِبِ الْمَتَاعِ فِي الْبَيْتِ.
فَإِنْ قِيلَ: الْبَيْتُ مَحْصُورٌ وَطَلَبُ الْيَقِينِ فِيهِ مُمْكِنٌ وَمَدَارِكُ الشَّرْعِ غَيْرُ مَحْصُورَةٍ، فَإِنَّ الْكِتَابَ، وَإِنْ كَانَ مَحْصُورًا فَالْأَخْبَارُ غَيْرُ مَحْصُورَةٍ، وَرُبَّمَا كَانَ رَاوِي الْحَدِيثِ مَجْهُولًا. قُلْنَا: إنْ كَانَ ذَلِكَ فِي ابْتِدَاءِ الْإِسْلَامِ قَبْلَ انْتِشَارِ الْأَخْبَارِ فَفَرْضُ كُلِّ مُجْتَهِدٍ مَا هُوَ جُهْدُ رَأْيِهِ إلَى أَنْ يَبْلُغَهُ الْخَبَرُ، وَإِنْ كَانَ بَعْدَ أَنْ رُوِيَتْ الْأَخْبَارُ وَصُنِّفَتْ الصِّحَاحُ فَمَا دَخَلَ فِيهَا مَحْصُورٌ عِنْدَ أَهْلِهَا، وَقَدْ انْتَهَى إلَى الْمُجْتَهِدِينَ وَأَوْرَدُوهَا فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ وَعَلَى الْجُمْلَةِ فَدَلَالَةُ الْعَقْلِ عَلَى النَّفْيِ الْأَصْلِيِّ مَشْرُوطَةٌ بِنَفْيِ الْمُغَيِّرِ كَمَا أَنَّ دَلَالَةَ الْعُمُومِ مَشْرُوطَةٌ بِنَفْيِ الْمُخَصِّصِ وَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْ الْمُخَصِّصِ وَالْمُغَيِّرِ تَارَةً يُعْلَمُ انْتِفَاؤُهُ وَتَارَةً يُظَنُّ وَكُلُّ وَاحِدٍ دَلِيلٌ فِي الشَّرْعِ. هَذَا إتْمَامُ الْكَلَامِ فِي الْأَصْلِ الرَّابِعِ

اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 164
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست