responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 148
الْبِقَاعَ قَدْ جَمَعْت فِي زَمَنِ الصَّحَابَةِ أَهْلَ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ، فَإِنْ أَرَادَ مَالِكٌ أَنَّ الْمَدِينَةَ هِيَ الْجَامِعَةُ لَهُمْ فَمُسَلَّمٌ لَهُ ذَلِكَ لَوْ جَمَعَتْ وَعِنْدَ ذَلِكَ لَا يَكُونُ لِلْمَكَانِ فِيهِ تَأْثِيرٌ، وَلَيْسَ ذَلِكَ بِمُسَلَّمٍ بَلْ لَمْ تَجْمَعْ الْمَدِينَةُ جَمِيعَ الْعُلَمَاءِ لَا قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَلَا بَعْدَهَا بَلْ مَا زَالُوا مُتَفَرِّقِينَ فِي الْأَسْفَارِ وَالْغَزَوَاتِ وَالْأَمْصَارِ، فَلَا وَجْهَ لِكَلَامِ مَالِكٍ إلَّا أَنْ يَقُولَ عَمَلُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ حُجَّةٌ لِأَنَّهُمْ الْأَكْثَرُونَ وَالْعِبْرَةُ بِقَوْلِ الْأَكْثَرِينَ وَقَدْ أَفْسَدْنَاهُ، أَوْ يَقُولَ يَدُلُّ اتِّفَاقُهُمْ فِي قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ أَنَّهُمْ اسْتَنَدُوا إلَى سَمَاعٍ قَاطِعٍ فَإِنَّ الْوَحْيَ النَّاسِخَ نَزَلَ فِيهِمْ فَلَا تَشِذُّ عَنْهُمْ مَدَارِكُ الشَّرِيعَةِ. وَهَذَا تَحَكُّمٌ إذْ لَا يَسْتَحِيلُ أَنْ يَسْمَعَ غَيْرُهُمْ حَدِيثًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي سَفَرٍ أَوْ فِي الْمَدِينَةِ لَكِنْ يَخْرُجُ مِنْهَا قَبْلَ نَقْلِهِ، فَالْحُجَّةُ فِي الْإِجْمَاعِ وَلَا إجْمَاعَ. وَقَدْ تُكُلِّفَ لِمَالِكٍ تَأْوِيلَاتٌ وَمَعَاذِيرُ اسْتَقْصَيْنَاهَا فِي كِتَابِ " تَهْذِيبِ الْأُصُولِ " وَلَا حَاجَةَ إلَيْهَا هَهُنَا. وَرُبَّمَا احْتَجُّوا بِثَنَاءِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَلَى الْمَدِينَةِ وَعَلَى أَهْلِهَا، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى فَضِيلَتِهِمْ وَكَثْرَةِ ثَوَابِهِمْ لِسُكْنَاهُمْ الْمَدِينَةَ وَلَا يَدُلُّ عَلَى تَخْصِيصِ الْإِجْمَاعِ بِهِمْ. وَقَدْ قَالَ قَوْمٌ: الْحُجَّةُ فِي اتِّفَاقِ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ. وَهُوَ تَحَكُّمٌ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ إلَّا مَا تَخَيَّلَهُ جَمَاعَةٌ فِي أَنَّ قَوْلَ الصَّحَابِيِّ حُجَّةٌ، وَسَيَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ.

[مَسْأَلَةٌ هَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَبْلُغَ أَهْلُ الْإِجْمَاعِ عَدَدَ التَّوَاتُرِ]
مَسْأَلَةٌ اخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَبْلُغَ أَهْلُ الْإِجْمَاعِ عَدَدَ التَّوَاتُرِ
؟ أَمَّا مَنْ أَخَذَهُ مِنْ دَلِيلِ الْعَقْلِ وَاسْتِحَالَةِ الْخَطَأِ بِحُكْمِ الْعَادَةِ فَيَلْزَمُهُ الِاشْتِرَاطُ، وَاَلَّذِينَ أَخَذُوهُ مِنْ السَّمْعِ اخْتَلَفُوا، فَمِنْهُمْ مَنْ شَرَطَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ إذَا نَقَصَ عَدَدُهُمْ فَنَحْنُ لَا نَعْلَمُ إيمَانَهُمْ بِقَوْلِهِمْ فَضْلًا عَنْ غَيْرِهِ. وَهَذَا فَاسِدٌ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهُ يُعْلَمُ إيمَانُهُمْ لَا بِقَوْلِهِمْ لَكِنْ بِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَحَتَّى يَظْهَرَ الدَّجَّالُ» فَإِذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ مُسْلِمٌ سِوَاهُمْ فَهُمْ عَلَى الْحَقِّ الثَّانِي أَنَّا لَمْ نَتَعَبَّدْ بِالْبَاطِنِ، وَإِنَّمَا أُمَّةُ مُحَمَّدٍ مَنْ آمَنَ بِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ظَاهِرًا؛ إذْ لَا وُقُوفَ عَلَى الْبَاطِنِ.
وَإِذَا ظَهَرَ أَنَّا مُتَعَبَّدُونَ بِاتِّبَاعِهِمْ فَيَجُوزُ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِهَذَا عَلَى أَنَّهُمْ صَادِقُونَ؛ لِأَنَّ اللَّه تَعَالَى لَا يَتَعَبَّدُنَا بِاتِّبَاعِ الْكَاذِبِ وَتَعْظِيمِهِ وَالِاقْتِدَاءِ بِهِ فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يُتَصَوَّرُ رُجُوعُ عَدَدِ الْمُسْلِمِينَ إلَى مَا دُونَ عَدَدِ التَّوَاتُرِ وَذَلِكَ يُؤَدِّي إلَى انْقِطَاعِ التَّكْلِيفِ، فَإِنَّ التَّكْلِيفَ يَدُومُ بِدَوَامِ الْحُجَّةِ وَالْحُجَّةُ تَقُومُ بِخَبَرِ التَّوَاتُرِ عَنْ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ وَعَنْ وُجُودِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَتَحَدِّيهِ بِالنُّبُوَّةِ، وَالْكُفَّارُ لَا يَقُومُونَ بِنَشْرِ أَعْلَامِ النُّبُوَّةِ بَلْ يَجْتَهِدُونَ فِي طَمْسِهَا، وَالسَّلَفُ مِنْ الْأَئِمَّةِ مُجْمِعُونَ عَلَى دَوَامِ التَّكْلِيفِ إلَى الْقِيَامَةِ وَفِي ضِمْنِهِ الْإِجْمَاعُ عَلَى اسْتِحَالَةِ انْدِرَاسِ الْأَعْلَامِ، وَفِي نُقْصَانِ عَدَدِ التَّوَاتُرِ مَا يُؤَدِّي إلَى الِانْدِرَاسِ، وَإِذَا لَمْ يُتَصَوَّرْ وُجُودُ هَذِهِ الْحَادِثَةِ فَكَيْفَ نَخُوضُ فِي حُكْمِهَا؟
قُلْنَا: يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ ذَلِكَ مُمْتَنِعٌ لِهَذِهِ الْأَدِلَّةِ، وَإِنَّمَا مَعْنَى تَصَوُّرِ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ رُجُوعُ عَدَدِ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ إلَى مَا دُونَ عَدَدِ التَّوَاتُرِ، وَإِنْ قَطَعْنَا بِأَنَّ قَوْلَ الْعَوَامّ لَا يُعْتَبَرُ فَتَدُومُ أَعْلَامُ الشَّرْعِ بِتَوَاتُرِ الْعَوَامّ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ يُتَصَوَّرُ وُقُوعُهَا وَاَللَّهُ تَعَالَى يُدِيمُ الْأَعْلَامَ بِالتَّوَاتُرِ الْحَاصِلِ مِنْ جِهَةِ الْمُسْلِمِينَ وَالْكُفَّارِ فَيَتَحَدَّثُونَ بِوُجُودِ مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَوُجُودِ مُعْجِزَتِهِ وَإِنْ لَمْ يَعْتَرِفُوا بِكَوْنِهَا مُعْجِزَةً أَوْ يَخْرِقُ اللَّهُ تَعَالَى الْعَادَةَ فَيَحْصُلُ الْعِلْمُ بِقَوْلِ الْقَلِيلِ حَتَّى تَدُومَ الْحُجَّةُ، بَلْ نَقُولُ قَوْلُ الْقَلِيلِ مَعَ الْقَرَائِنِ الْمَعْلُومَةِ

اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 148
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست