responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 147
وَقَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - «سَيَعُودُ الدِّينُ غَرِيبًا كَمَا بَدَأَ غَرِيبًا» وَقَالَ تَعَالَى {وَأَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ} [المائدة: 103] وَقَالَ تَعَالَى: {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِي الشَّكُورُ} [سبأ: 13] وَقَالَ تَعَالَى: {كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ} [البقرة: 249] الْآيَةَ.
وَإِذَا لَمْ يَكُنْ ضَابِطٌ وَلَا مَرَدٌّ فَلَا خَلَاصَ إلَّا بِاعْتِبَارِ قَوْلِ الْجَمِيعِ. الدَّلِيلُ الثَّانِي إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى تَجْوِيزِ الْخِلَافِ لِلْآحَادِ، فَكَمْ مِنْ مَسْأَلَةٍ قَدْ انْفَرَدَ فِيهَا الْآحَادُ بِمَذْهَبٍ كَانْفِرَادِ ابْنِ عَبَّاسٍ بِالْعَوْلِ فَإِنَّهُ أَنْكَرَهُ. فَإِنْ قِيلَ: لَا بَلْ أَنْكَرُوا عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ الْقَوْلَ بِتَحْلِيلِ الْمُتْعَةِ وَأَنَّ الرِّبَا فِي النَّسِيئَةِ، وَأَنْكَرَتْ عَائِشَةُ عَلَى ابْنِ أَرْقَمَ مَسْأَلَةَ الْعِينَةِ، وَأَنْكَرُوا عَلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ قَوْلَهُ: " النَّوْمُ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ وَعَلَى أَبِي طَلْحَةَ الْقَوْلَ بِأَنَّ أَكْلَ الْبَرَدِ لَا يُفْطِرُ وَذَلِكَ لِانْفِرَادِهِمْ بِهِ قُلْنَا لَا بَلْ لِمُخَالَفَتِهِمْ السُّنَّةَ الْوَارِدَةَ فِيهِ الْمَشْهُورَةَ بَيْنَهُمْ أَوْ لِمُخَالَفَتِهِمْ أَدِلَّةً ظَاهِرَةً قَامَتْ عِنْدَهُمْ.
ثُمَّ نَقُولُ: هَبْ أَنَّهُمْ أَنْكَرُوا انْفِرَادَ الْمُنْفَرِدِ، وَالْمُنْفَرِدُ مُنْكِرٌ عَلَيْهِمْ إنْكَارَهُمْ وَلَا يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ، فَلَا حُجَّةَ فِي إنْكَارِهِمْ مَعَ مُخَالَفَةِ الْوَاحِدِ. وَلَهُمْ شُبْهَتَانِ:
الشُّبْهَةُ الْأُولَى: قَوْلُهُمْ: قَوْلُ الْوَاحِدِ فِيمَا يُخْبِرُ عَنْ نَفْسِهِ لَا يُوَرِّثُ الْعِلْمَ، فَكَيْفَ يَنْدَفِعُ بِهِ قَوْلُ عَدَدٍ حَصَلَ الْعِلْمُ بِإِخْبَارِهِمْ عَنْ أَنْفُسِهِمْ لِبُلُوغِهِمْ عَدَدَ التَّوَاتُرِ؟ وَعَنْ هَذَا قَالَ قَوْمٌ: عَدَدُ الْأَقَلِّ إلَى أَنْ يَبْلُغَ مَبْلَغَ التَّوَاتُرِ يَدْفَعُ الْإِجْمَاعَ. وَهَذَا فَاسِدٌ مِنْ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ.
الْأَوَّلُ: أَنَّ صِدْقَ الْأَكْثَرِ وَإِنْ عُلِمَ فَلَيْسَ ذَلِكَ صِدْقَ جَمِيعِ الْأُمَّةِ وَاتِّفَاقَهُمْ وَالْحُجَّةُ فِي اتِّفَاقِ الْجَمِيعِ، فَسَقَطَتْ الْحُجَّةُ لِأَنَّهُمْ لَيْسُوا كُلَّ الْأُمَّةِ.
الثَّانِي: أَنَّ كَذِبَ الْوَاحِدِ لَيْسَ بِمَعْلُومٍ فَلَعَلَّهُ صَادِقٌ، فَلَا تَكُونُ الْمَسْأَلَةُ اتِّفَاقًا مِنْ جَمِيعِ الصَّادِقِينَ إنْ كَانَ صَادِقًا.
الثَّالِثُ: أَنَّهُ لَا نَظَرَ إلَى مَا يُضْمِرُونَ بَلْ التَّعَبُّدُ مُتَعَلِّقٌ بِمَا يُظْهِرُونَ فَهُوَ مَذْهَبُهُمْ وَسَبِيلُهُمْ لَا مَا أَضْمَرُوهُ، فَإِنْ قِيلَ: فَهَلْ يَجُوزُ أَنْ تُضْمِرَ الْأُمَّةُ خِلَافَ مَا تُظْهِرُ؟ قُلْنَا: ذَلِكَ إنْ كَانَ إنَّمَا يَكُونُ عَنْ تَقِيَّةٍ وَإِلْجَاءٍ وَذَلِكَ يَظْهَرُ وَيَشْتَهِرُ وَإِنْ لَمْ يَشْتَهِرْ فَهُوَ مُحَالٌ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى اجْتِمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَى ضَلَالَةٍ وَبَاطِلٍ، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ بِدَلِيلِ السَّمْعِ.
الشُّبْهَةُ الثَّانِيَةُ: أَنَّ مُخَالَفَةَ الْوَاحِدِ شُذُوذٌ عَنْ الْجَمَاعَةِ وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ، فَقَدْ وَرَدَ ذَمُّ الشَّاذِّ وَأَنَّهُ كَالشَّاذِّ مِنْ الْغَنَمِ عَنْ الْقَطِيعِ. قُلْنَا: الشَّاذُّ عِبَارَةٌ عَنْ الْخَارِجِ عَنْ الْجَمَاعَةِ بَعْدَ الدُّخُولِ فِيهَا، وَمَنْ دَخَلَ فِي الْإِجْمَاعِ لَا يُقْبَلُ خِلَافُهُ بَعْدَهُ وَهُوَ الشُّذُوذُ، أَمَّا الَّذِي لَمْ يَدْخُلْ أَصْلًا فَلَا يُسَمَّى شَاذًّا. فَإِنْ قِيلَ: فَقَدْ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «عَلَيْكُمْ بِالسَّوَادِ الْأَعْظَمِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ مَعَ الْوَاحِدِ وَهُوَ عَنْ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ» .
قُلْنَا: أَرَادَ بِهِ الشَّاذَّ الْخَارِجَ عَلَى الْإِمَامِ بِمُخَالَفَةِ الْأَكْثَرِ عَلَى وَجْهٍ يُثِيرُ الْفِتْنَةَ وَقَوْلُهُ: «وَهُوَ عَنْ الِاثْنَيْنِ أَبْعَدُ» أَرَادَ بِهِ الْحَثَّ عَلَى طَلَبِ الرَّفِيقِ فِي الطَّرِيقِ، وَلِهَذَا قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «وَالثَّلَاثَةُ رَكْبٌ» . وَقَدْ قَالَ بَعْضُهُمْ قَوْلُ الْأَكْثَرِ حُجَّةٌ وَلَيْسَ بِإِجْمَاعٍ. وَهُوَ مُتَحَكِّمٌ بِقَوْلِهِ إنَّهُ حُجَّةٌ إذْ لَا دَلِيلَ عَلَيْهِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مُرَادِي بِهِ أَنَّ اتِّبَاعَ الْأَكْثَرِ أَوْلَى.
قُلْنَا: هَذَا يَسْتَقِيمُ فِي الْأَخْبَارِ وَفِي حَقِّ الْمُقَلِّدِ إذَا لَمْ يَجِدْ تَرْجِيحًا بَيْنَ الْمُجْتَهِدِينَ سِوَى الْكَثْرَةِ، وَأَمَّا الْمُجْتَهِدُ فَعَلَيْهِ اتِّبَاعُ الدَّلِيلِ دُونَ الْأَكْثَرِ لِأَنَّهُ إنْ خَالَفَهُ وَاحِدٌ لَمْ يَلْزَمْهُ اتِّبَاعُهُ وَإِنْ انْضَمَّ إلَيْهِ مُخَالِفٌ آخَرُ لَمْ يَلْزَمْهُ الِاتِّبَاعُ.

[مَسْأَلَةٌ حُجِّيَّة إجْمَاعِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ]
مَسْأَلَةٌ: قَالَ مَالِكٌ: الْحُجَّةُ فِي إجْمَاعِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ فَقَطْ.
وَقَالَ قَوْمٌ: الْمُعْتَبَرُ إجْمَاعُ أَهْلِ الْحَرَمَيْنِ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ وَالْمِصْرَيْنِ الْكُوفَةِ وَالْبَصْرَةِ وَمَا أَرَادَ الْمُحَصِّلُونَ بِهَذَا إلَّا أَنَّ هَذِهِ

اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 147
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست