responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 146
ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ التَّنَاقُضُ.
الثَّالِثُ: مَا وَرَدَ مِنْ التَّوْقِيفِ بِأَنَّهُ لَا يَصْدُرَ إلَّا مِنْ كَافِرٍ كَعِبَادَةٍ النِّيرَانِ وَالسُّجُودِ لِلصَّنَمِ وَجَحْدِ سُورَةٍ مِنْ الْقُرْآنِ وَتَكْذِيبِ بَعْضِ الرُّسُلِ وَاسْتِحْلَالِ الزِّنَا وَالْخَمْرِ وَتَرْكِ الصَّلَاةِ، وَبِالْجُمْلَةِ إنْكَارُ مَا عُرِفَ بِالتَّوَاتُرِ وَالضَّرُورَةِ مِنْ الشَّرِيعَةِ.

[مَسْأَلَةٌ بِإِجْمَاعِ غَيْرِ الصَّحَابَةِ]
مَسْأَلَةٌ قَالَ قَوْمٌ: لَا يُعْتَدُّ بِإِجْمَاعِ غَيْرِ الصَّحَابَةِ، وَسَنُبْطِلُهُ وَقَالَ قَوْمٌ: يُعْتَدُّ بِإِجْمَاعِ التَّابِعِينَ بَعْدَ الصَّحَابَةِ، وَلَكِنْ لَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِ التَّابِعِيِّ فِي زَمَانِ الصَّحَابَةِ وَلَا يَنْدَفِعُ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ بِخِلَافِهِ. وَهَذَا فَاسِدٌ مَهْمَا بَلَغَ التَّابِعِيُّ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ قَبْلَ تَمَامِ الْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ مِنْ الْأُمَّةِ، فَإِجْمَاعُ غَيْرِهِ لَا يَكُونُ إجْمَاعَ جَمِيعِ الْأُمَّةِ، بَلْ إجْمَاعَ الْبَعْضِ وَالْحُجَّةُ فِي إجْمَاعِ الْكُلِّ نَعَمْ لَوْ أَجْمَعُوا ثُمَّ بَلَغَ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ بَعْدَ إجْمَاعِهِمْ فَهُوَ مَسْبُوقٌ بِالْإِجْمَاعِ فَلَيْسَ لَهُ الْآنَ أَنْ يُخَالِفَ، كَمَنْ أَسْلَمَ بَعْدَ تَمَامِ الْإِجْمَاعِ.
وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إلَى اللَّهِ} [الشورى: 10] وَهَذَا مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ عَلَى تَسْوِيغِ الْخِلَافِ لِلتَّابِعِيِّ وَعَدَمِ إنْكَارِهِمْ عَلَيْهِ، فَهُوَ إجْمَاعٌ مِنْهُمْ عَلَى جَوَازِ الْخِلَافِ، كَيْفَ وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ كَثِيرًا مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ كَعَلْقَمَةَ وَالْأَسْوَدِ وَغَيْرِهِمَا كَانُوا يُفْتُونَ فِي عَصْرِ الصَّحَابَةِ وَكَذَا الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ؟ فَكَيْفَ لَا يُعْتَدُّ بِخِلَافِهِمْ؟ وَعَلَى الْجُمْلَةِ فَلَا يَفْضُلُ الصَّحَابِيُّ التَّابِعِيَّ إلَّا بِفَضِيلَةِ الصُّحْبَةِ، وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْفَضِيلَةُ تُخَصِّصُ الْإِجْمَاعَ لَسَقَطَ قَوْلُ الْأَنْصَارِ بِقَوْلِ الْمُهَاجِرِينَ وَقَوْلُ الْمُهَاجِرِينَ بِقَوْلِ الْعَشَرَةِ وَقَوْلُ الْعَشَرَةِ بِقَوْلِ الْخُلَفَاءِ الْأَرْبَعَةِ وَقَوْلُهُمْ بِقَوْلِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا -. فَإِنْ قِيلَ: رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا أَنْكَرَتْ عَلَى أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ مُجَارَاةَ الصَّحَابَةِ، وَقَالَتْ: فَرُّوجٌ يَصْقَعُ مَعَ الدِّيَكَةِ. قُلْنَا: مَا ذَكَرْنَاهُ مَقْطُوعٌ بِهِ وَلَمْ يَثْبُتْ عَنْ عَائِشَةَ مَا ذَكَرْتُمْ إلَّا بِقَوْلِ الْآحَادِ، وَإِنْ ثَبَتَ فَهُوَ مَذْهَبُهَا وَلَا حُجَّةَ فِيهِ.
ثُمَّ لَعَلَّهَا أَرَادَتْ مَنْعَهُ مِنْ مُخَالَفَتِهِمْ فِيمَا سَبَقَ إجْمَاعُهُمْ عَلَيْهِ، أَوْ لَعَلَّهَا أَنْكَرْت عَلَيْهِ خِلَافَهُ فِي مَسْأَلَةٍ لَا تَحْتَمِلُ الِاجْتِهَادَ فِي اعْتِقَادِهَا كَمَا أَنْكَرَتْ عَلَى زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ فِي مَسْأَلَةِ الْعَيِّنَةِ وَظَنَّتْ أَنَّ وُجُوبَ حَسْمِ الذَّرِيعَةِ قَطْعِيٌّ. وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ يُتَصَوَّرُ الْخِلَافُ فِيهَا مَعَ مَنْ يُوَافِقُ عَلَى أَنَّ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ يَنْدَفِعُ بِمُخَالَفَةِ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ، أَمَّا مَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّهُ لَا يَنْدَفِعُ خِلَافُ الْأَكْثَرِ بِالْأَقَلِّ كَيْفَمَا كَانَ فَلَا يَخْتَصُّ كَلَامُهُ بِالتَّابِعِيِّ.

[مَسْأَلَةٌ الْإِجْمَاعُ مِنْ الْأَكْثَرِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ مَعَ مُخَالَفَةِ الْأَقَلِّ]
ِّ وَقَالَ قَوْمٌ هُوَ حُجَّةٌ وَقَالَ قَوْمٌ: إنْ بَلَغَ عَدَدُ الْأَقَلِّ عَدَدَ التَّوَاتُرِ انْدَفَعَ الْإِجْمَاعُ وَإِنْ نَقَصَ فَلَا يَنْدَفِعُ.
وَالْمُعْتَمَدُ عِنْدَنَا أَنَّ الْعِصْمَةَ إنَّمَا تَثْبُتُ لِلْأُمَّةِ بِكُلِّيَّتِهَا، وَلَيْسَ هَذَا إجْمَاعَ الْجَمِيعِ بَلْ هُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إلَى اللَّهِ} [الشورى: 10] فَإِنْ قِيلَ: قَدْ تُطْلَقُ الْأُمَّةُ وَيُرَادُ بِهَا الْأَكْثَرُ، كَمَا يُقَالُ بَنُو تَمِيمٍ يَحْمُونَ الْجَارَ وَيُكْرِمُونَ الضَّيْفَ، وَيُرَادُ الْأَكْثَرُ.
قُلْنَا مَنْ يَقُولُ بِصِيغَةِ الْعُمُومِ يَحْمِلُ ذَلِكَ عَلَى الْجَمِيعِ، وَلَا يَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِالتَّحَكُّمِ بَلْ بِدَلِيلٍ وَضَرُورَةٍ وَلَا ضَرُورَةَ هَهُنَا، وَمَنْ لَا يَقُولُ بِهِ فَيَجُوزُ أَنْ يُرِيدَ بِهِ الْأَقَلَّ وَعِنْدَ ذَلِكَ لَا يَتَمَيَّزُ الْبَعْضُ الْمُرَادُ عَمَّا لَيْسَ بِمُرَادٍ وَلَا بُدَّ مِنْ إجْمَاعِ الْجَمِيعِ لَيُعْلَمَ أَنَّ الْبَعْضَ الْمُرَادَ دَاخِلٌ فِيهِ، كَيْفَ وَقَدْ وَرَدَتْ أَخْبَارٌ تَدُلُّ عَلَى قِلَّةِ أَهْلِ الْحَقِّ حَيْثُ قَالَ «وَهُمْ يَوْمَئِذٍ الْأَقَلُّونَ»

اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 146
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست