responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 111
الِانْكِتَامِ، وَرُبَّمَا ظَنَّ الْخَلَفُ أَنَّ عَدَدَهُمْ كَامِلٌ لَا يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِمْ التَّوَاطُؤُ فَيُخْطِئُونَ فِي الظَّنِّ فَيَقْطَعُونَ بِالْحُكْمِ وَيَكُونُ هَذَا مَنْشَأَ غَلَطِهِمْ.

[خَاتِمَةٌ فِي بَيَانِ شُرُوطٍ فَاسِدَة لِعَدَدِ التَّوَاتُر]
خَاتِمَةٌ لِهَذَا الْبَابِ: بَيَانِ شُرُوطٍ فَاسِدَةٍ ذَهَبَ إلَيْهَا قَوْمٌ؟ وَهِيَ خَمْسَةٌ:
الْأَوَّلُ: شَرَطَ قَوْمٌ فِي عَدَدِ التَّوَاتُرِ أَنْ لَا يَحْصُرَهُمْ عَدَدٌ وَلَا يَحْوِيَهُمْ وَهَذَا فَاسِدٌ، فَإِنَّ الْحَجِيجَ بِأَجْمَعِهِمْ إذَا أَخْبَرُوا عَنْ وَاقِعَةٍ صَدَّتْهُمْ عَنْ الْحَجِّ وَمَنَعَتْهُمْ مِنْ عَرَفَاتٍ حَصَلَ الْعِلْمُ بِقَوْلِهِمْ وَهُمْ مَحْصُورُونَ وَأَهْلُ الْجَامِعِ إذَا أَخْبَرُوا عَنْ نَائِبَةٍ فِي الْجُمُعَةِ مَنَعَتْ النَّاسَ مِنْ الصَّلَاةِ عُلِمَ صِدْقُهُمْ مَعَ أَنَّهُمْ يَحْوِيهِمْ مَسْجِدٌ فَضْلًا عَنْ بَلَدٍ، وَكَذَلِكَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ إذَا أَخْبَرُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِشَيْءٍ حَصَلَ الْعِلْمُ وَقَدْ حَوَاهُمْ بَلَدٌ.
الثَّانِي: شَرَطَ قَوْمٌ أَنْ تَخْتَلِفَ أَنْسَابُهُمْ فَلَا يَكُونُوا بَنِي أَبٍ وَاحِدٍ، وَتَخْتَلِفَ أَوْطَانُهُمْ فَلَا يَكُونُوا فِي مَحَلَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَتَخْتَلِفَ أَدْيَانُهُمْ فَلَا يَكُونُوا أَهْلَ مَذْهَبٍ وَاحِدٍ.
وَهَذَا فَاسِدٌ لِأَنَّ كَوْنَهُمْ مِنْ مَحَلَّةٍ وَاحِدَةٍ وَنَسَبٍ وَاحِدٍ لَا يُؤَثِّرُ إلَّا فِي إمْكَانِ تَوَاطُئِهِمْ، وَالْكَثْرَةُ إلَى كَمَالِ الْعَدَدِ تَدْفَعُ هَذَا الْإِمْكَانَ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ كَثْرَةً أَمْكَنَ التَّوَاطُؤُ مِنْ بَنِي الْأَعْمَامِ كَمَا يُمْكِنُ مِنْ الْإِخْوَةِ وَمِنْ أَهْلِ بَلَدٍ كَمَا يُمْكِنُ مِنْ أَهْلِ مَحَلَّةٍ، وَكَيْفَ يُعْتَبَرُ اخْتِلَافُ الدِّينِ وَنَحْنُ نَعْلَمُ صِدْقَ الْمُسْلِمِينَ إذَا أَخْبَرُوا عَنْ قَتْلٍ وَفِتْنَةٍ وَوَاقِعَةٍ بَلْ نَعْلَمُ صِدْقَ أَهْلِ قُسْطَنْطِينِيَّةَ إذَا أَخْبَرُوا عَنْ مَوْتِ قَيْصَرَ؟ فَإِنْ قِيلَ: فَلْنَعْلَمْ صِدْقَ النَّصَارَى فِي نَقْلِ التَّثْلِيثِ عَنْ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَصِدْقَهُمْ فِي صَلْبِهِ.
قُلْنَا: لَمْ يَنْقُلُوا التَّثْلِيثَ تَوْقِيفًا وَسَمَاعًا عَنْ عِيسَى بِنَصٍّ صَرِيحٍ لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ، لَكِنْ تَوَهَّمُوا ذَلِكَ بِأَلْفَاظٍ مُوهِمَةٍ لَمْ يَقِفُوا عَلَى مَغْزَاهَا، كَمَا فَهِمَ الْمُشَبِّهَةُ التَّشْبِيهَ مِنْ آيَاتٍ وَأَخْبَارٍ لَمْ يَفْهَمُوا مَعْنَاهَا، وَالتَّوَاتُرُ يَنْبَغِي أَنْ يَصْدُرَ عَنْ مَحْسُوسٍ. فَأَمَّا قَتْلَ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَقَدْ صَدَقُوا فِي أَنَّهُمْ شَاهَدُوا شَخْصًا يُشْبِهُ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - مَقْتُولًا، وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ.
فَإِنْ قِيلَ: فَهَلْ يُتَصَوَّرُ التَّشْبِيهُ فِي الْمَحْسُوسِ، فَإِنْ تُصُوِّرَ فَلْيَشُكَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنَّا إذَا رَأَى زَوْجَتَهُ وَوَلَدَهُ فَلَعَلَّهُ شُبِّهَ لَهُ؟ قُلْنَا: إنْ كَانَ الزَّمَانُ زَمَانَ خَرْقِ الْعَادَةِ يَجُوزُ التَّشْبِيهُ فِي الْمَحْسُوسِ وَذَلِكَ زَمَانُ النُّبُوَّةِ لِإِثْبَاتِ صِدْقِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَذَلِكَ لَا يُوجِبُ الشَّكَّ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الزَّمَانِ؛ إذْ لَا خِلَافَ فِي قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَى قَلْبِ الْعَصَا ثُعْبَانًا وَخَرْقِ الْعَادَةِ بِهِ لِتَصْدِيقِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَمَعَ ذَلِكَ إذَا أَخَذْنَا الْعَصَا فِي زَمَانِنَا لَمْ نَخَفْ مِنْ انْقِلَابِهَا ثُعْبَانًا بِالْعَادَاتِ فِي زَمَانِنَا.
فَإِنْ قِيلَ: خَرْقُ الْعَادَةِ فِي زَمَانِنَا هَذَا جَائِزٌ كَرَامَةً لِلْأَوْلِيَاءِ فَلَعَلَّ وَلِيًّا مِنْ الْأَوْلِيَاءِ دَعَا اللَّهَ تَعَالَى بِذَلِكَ فَأَجَابَهُ فَلَا نَشُكُّ لِإِمْكَانِ ذَلِكَ. قُلْنَا: إذَا فَعَلَ اللَّهُ تَعَالَى ذَلِكَ نَزَعَ عَنْ قُلُوبِنَا الْعِلْمَ الضَّرُورِيَّ الْحَاصِلَ بِالْعَادَاتِ، فَإِذَا وَجَدْنَا مِنْ أَنْفُسِنَا عِلْمًا ضَرُورِيًّا بِأَنَّهُ لَمْ تَنْقَلِبْ الْعَصَا ثُعْبَانًا وَلَا الْجَبَلُ ذَهَبًا وَلَا الْحَصَى فِي الْجِبَالِ جَوَاهِرَ وَيَوَاقِيتَ قَطَعْنَا بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمْ يَخْرُقْ الْعَادَةَ وَإِنْ كَانَ قَادِرًا عَلَيْهَا.
الثَّالِثُ: شَرَطَ قَوْمٌ أَنْ يَكُونُوا أَوْلِيَاءَ مُؤْمِنِينَ.
وَهُوَ فَاسِدٌ؛ إذْ يَحْصُلُ الْعِلْمُ بِقَوْلِ الْفَسَقَةِ وَالْمُرْجِئَةِ وَالْقَدَرِيَّةِ بَلْ بِقَوْلِ الرُّومِ إذَا أَخْبَرُوا بِمَوْتِ مَلِكِهِمْ حَصَلَ الْعِلْمُ.
الرَّابِعُ: شَرَطَ قَوْمٌ أَنْ لَا يَكُونُوا مَحْمُولِينَ بِالسَّيْفِ عَلَى الْإِخْبَارِ. وَهُوَ فَاسِدٌ؛ لِأَنَّهُمْ إنْ

اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 111
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست