responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 110
رَجُلٌ فِي السُّوقِ مَثَلًا وَانْصَرَفَ جَمَاعَةٌ عَنْ مَوْضِعِ الْقَتْلِ وَدَخَلُوا عَلَيْنَا يُخْبِرُونَنَا عَنْ قَتْلِهِ، فَإِنَّ قَوْلَ الْأَوَّلِ يُحَرِّكُ الظَّنَّ وَقَوْلَ الثَّانِي وَالثَّالِثِ يُؤَكِّدُهُ، وَلَا يَزَالُ يَتَزَايَدُ تَأْكِيدُهُ إلَى أَنْ يَصِيرَ ضَرُورِيًّا لَا يُمْكِنُنَا أَنْ نُشَكِّكَ فِيهِ أَنْفُسَنَا.
فَلَوْ تُصُوِّرَ الْوُقُوفُ عَلَى اللَّحْظَةِ الَّتِي يَحْصُلُ الْعِلْمُ فِيهَا ضَرُورَةً وَحِفْظُ حِسَابِ الْمُخْبِرِينَ وَعَدَدِهِمْ لَأَمْكَنَ الْوُقُوفُ، وَلَكِنَّ دَرَكَ تِلْكَ اللَّحْظَةِ عَسِيرٌ، فَإِنَّهُ تَتَزَايَدُ قُوَّةُ الِاعْتِقَادِ تَزَايُدًا خَفِيَّ التَّدْرِيجِ نَحْوَ تَزَايُدِ عَقْلِ الصَّبِيِّ الْمُمَيِّزِ إلَى أَنْ يَبْلُغَ حَدَّ التَّكْلِيفِ وَنَحْوَ تَزَايُدِ ضَوْءِ الصُّبْحِ إلَى أَنْ يَنْتَهِيَ إلَى حَدِّ الْكَمَالِ، فَلِذَلِكَ بَقِيَ هَذَا فِي غِطَاءٍ مِنْ الْإِشْكَالِ وَتَعَذَّرَ عَلَى الْقُوَّةِ الْبَشَرِيَّةِ إدْرَاكُهُ.
فَأَمَّا مَا ذَهَبَ إلَيْهِ قَوْمٌ مِنْ التَّخْصِيصِ بِالْأَرْبَعِينَ أَخْذًا مِنْ الْجُمُعَةِ وَقَوْمٌ إلَى التَّخْصِيصِ بِالسَّبْعِينَ أَخْذًا مِنْ قَوْله تَعَالَى: {وَاخْتَارَ مُوسَى قَوْمَهُ سَبْعِينَ رَجُلًا لِمِيقَاتِنَا} [الأعراف: 155] وَقَوْمٌ إلَى التَّخْصِيصِ بِعَدَدِ أَهْلِ بَدْرٍ فَكُلُّ ذَلِكَ تَحَكُّمَاتٌ فَاسِدَةٌ بَارِدَةٌ لَا تُنَاسِبُ الْغَرَضَ وَلَا تَدُلُّ عَلَيْهِ، وَيَكْفِي تَعَارُضُ أَقْوَالِهِمْ دَلِيلًا عَلَى فَسَادِهَا. فَإِذًا لَا سَبِيلَ لَنَا إلَى حَصْرِ عَدَدِهِ، لَكِنَّا بِالْعِلْمِ الضَّرُورِيِّ نَسْتَدِلُّ عَلَى أَنَّ الْعَدَدَ الَّذِي هُوَ الْكَامِلُ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى قَدْ تَوَافَقُوا عَلَى الْإِخْبَارِ. فَإِنْ قِيلَ: فَكَيْفَ عَلِمْتُمْ حُصُولَ الْعِلْمِ بِالتَّوَاتُرِ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ أَقَلَّ عَدَدِهِ؟ قُلْنَا: كَمَا نَعْلَمُ أَنَّ الْخُبْزَ يُشْبِعُ وَالْمَاءَ يُرْوِي وَالْخَمْرَ يُسْكِرُ، وَإِنْ كُنَّا لَا نَعْلَمُ أَقَلَّ مِقْدَارٍ مِنْهُ، وَنَعْلَمُ أَنَّ الْقَرَائِنَ تُفِيدُ الْعِلْمَ وَإِنْ لَمْ نَقْدِرْ عَلَى حَصْرِ أَجْنَاسِهَا وَضَبْطِ أَقَلِّ دَرَجَاتِهَا.

[مَسْأَلَةٌ الْعَدَدُ الْكَامِلُ إذَا أَخْبَرُوا وَلَمْ يَحْصُلْ الْعِلْمُ بِصِدْقِهِمْ]
ْ فَيَجِبُ الْقَطْعُ بِكَذِبِهِمْ
لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِي حُصُولِ الْعِلْمِ إلَّا شَرْطَانِ أَحَدُهُمَا كَمَالُ الْعَدَدِ، وَالثَّانِي: أَنْ يُخْبِرُوا عَنْ يَقِينٍ وَمُشَاهَدَةٍ. فَإِذَا كَانَ الْعَدَدُ كَامِلًا كَانَ امْتِنَاعُ الْعِلْمِ لِفَوَاتِ الشَّرْطِ الثَّانِي فَنَعْلَمُ أَنَّهُمْ بِجُمْلَتِهِمْ كَذَبُوا أَوْ كَذَبَ بَعْضُهُمْ فِي قَوْلِهِ إنِّي شَاهَدْت ذَلِكَ، بَلْ بَنَاهُ عَلَى تَوَهُّمٍ وَظَنٍّ أَوْ كَذِبٍ مُتَعَمِّدًا، لِأَنَّهُمْ لَوْ صَدَقُوا وَقَدْ كَمَلَ عَدَدُهُمْ حَصَلَ الْعِلْمُ ضَرُورَةً وَهَذَا أَيْضًا أَحَدُ الْأَدِلَّةِ عَلَى أَنَّ الْأَرْبَعَةَ لَيْسُوا عَدَدَ التَّوَاتُرِ؛ إذْ الْقَاضِي لَمْ يَحْصُلْ لَهُ الْعِلْمُ بِصِدْقِهِمْ وَجَازَ لَهُ الْقَضَاءُ بِغَلَبَةِ الظَّنِّ بِالْإِجْمَاعِ، وَلَوْ تَمَّ عَدَدُهُمْ لَكَانَ انْتِفَاءُ الْعِلْمِ بِصِدْقِهِمْ دَلِيلًا قَاطِعًا عَلَى كَذِبِ جَمِيعِهِمْ أَوْ كَذِبِ وَاحِدٍ مِنْهُمْ، وَلَقَطَعْنَا بِأَنَّ فِيهِمْ كَاذِبًا أَوْ مُتَوَهِّمًا، وَلَا يُقْبَلُ شَهَادَةُ أَرْبَعَةٍ يُعْلَمُ أَنَّ فِيهِمْ كَاذِبًا أَوْ مُتَوَهِّمًا.
فَإِنْ قِيلَ: فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ الْعِلْمُ بِقَوْلِهِمْ وَقَدْ كَثُرُوا كَثْرَةً يَسْتَحِيلُ بِحُكْمِ الْعَادَةِ تَوَافُقُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ عَلَى اتِّفَاقٍ وَيَسْتَحِيلُ دُخُولُهُمْ تَحْتَ ضَابِطٍ وَتُسَاعِدُهُمْ عَلَى الْكَذِبِ بِحَيْثُ يَنْكَتِمُ ذَلِكَ عَلَى جَمِيعِهِمْ وَلَا يَتَحَدَّثُ بِهِ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، فَعَلَى مَاذَا يُجَمَّلُ كَذِبُهُمْ وَكَيْفَ يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ؟ قُلْنَا: إنَّمَا يُمْكِنُ ذَلِكَ بِأَنْ يَكُونُوا مُنْقَسِمِينَ إلَى صَادِقِينَ وَكَاذِبِينَ، أَمَّا الصَّادِقُونَ فَعَدَدُهُمْ نَاقِصٌ عَنْ الْمَبْلَغِ الَّذِي يَسْتَقِلُّ بِإِفَادَةِ الْعِلْم، وَأَمَّا الْكَاذِبُونَ فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَقَعَ مِنْهُمْ التَّوَاطُؤُ لِنُقْصَانِ عَدَدِهِمْ عَنْ مَبْلَغٍ يَسْتَحِيلُ عَلَيْهِمْ التَّوَاطُؤُ مَعَ الِانْكِتَامِ، فَإِنْ كَانُوا مَبْلَغًا لَا يَسْتَحِيلُ التَّوَاطُؤُ عَلَيْهِمْ مَعَ الِانْكِتَامِ فَلَا يَسْتَحِيلُ الِانْكِتَامُ فِي الْحَالِ إلَى أَنْ يَتَحَدَّثَ بِهِ فِي ثَانِي الْحَالِ.
وَنَقَلَ الشِّيعَةُ نَصَّ الْإِمَامَةِ مَعَ كَثْرَتِهَا إنَّمَا لَمْ يُفِدْ الْعِلْمَ لِأَنَّهُمْ لَمْ يُخْبِرُوا عَنْ الْمُشَاهَدَةِ وَالسَّمَاعِ، بَلْ لَوْ سَمِعُوا عَنْ سَلَفٍ فَهُمْ صَادِقُونَ، لَكِنَّ السَّلَفَ الْوَاضِعُونَ لِهَذَا الْكَذِبِ يَكُونُ عَدَدُهُمْ نَاقِصًا عَنْ مَبْلَغٍ يَسْتَحِيلُ مِنْهُمْ التَّوَاطُؤُ مَعَ

اسم الکتاب : المستصفى المؤلف : الغزالي، أبو حامد    الجزء : 1  صفحة : 110
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست