responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : الإحكام في أصول الأحكام المؤلف : الآمدي، أبو الحسن    الجزء : 1  صفحة : 211
قَوْلُهُمْ: إِنَّهَا أُمَّةٌ مِنَ الْأُمَمِ فَلَا يَكُونُ إِجْمَاعُهُمْ حُجَّةً كَغَيْرِهِمْ مِنَ الْأُمَمِ، فَقَدْ ذَهَبَ أَبُو إِسْحَاقَ الْإِسْفَرَايِنِيُّ، وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا وَجَمَاعَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ إِلَى أَنَّ إِجْمَاعَ عُلَمَاءِ مَنْ تَقَدَّمَ مِنَ الْمِلَلِ أَيْضًا حُجَّةٌ قَبْلَ النَّسْخِ.
وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ لَيْسَ بِحُجَّةٍ فَلِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ فِي حَقِّهِمْ مِنَ الدَّلَالَةِ الدَّالَّةِ عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِإِجْمَاعِهِمْ مَا وَرَدَ فِي عُلَمَاءِ هَذِهِ الْأُمَّةِ فَافْتَرَقَا.
وَأَمَّا الْحُجَّةُ الْأَخِيرَةُ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّهُ إِذَا كَانَ الْحُكْمُ ثَبَتَ بِالدَّلِيلِ لَا يَجُوزُ إِثْبَاتُهُ بِالْإِجْمَاعِ، وَأَمَّا التَّوْحِيدُ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْإِجْمَاعَ فِيهِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ وَإِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ لَا يَكُونُ حُجَّةً فِيهِ، بَلْ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ لَا غَيْرَ، غَيْرَ أَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهُمَا أَنَّ التَّوْحِيدَ لَا يَجُوزُ فِيهِ تَقْلِيدُ الْعَامِّيِّ لِلْعَالِمِ، وَإِنَّمَا يَرْجِعُ إِلَى أَدِلَّةٍ يَشْتَرِكُ فِيهَا الْكُلُّ وَهِيَ أَدِلَّةُ الْعَقْلِ بِخِلَافِ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَى الْعَامِّيِّ الْأَخْذُ بِقَوْلِ الْعَالِمِ فِيهَا.
وَإِذَا جَازَ أَوْ وَجَبَ الْأَخْذُ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ كَانَ الْأَخْذُ بِقَوْلِ الْجَمَاعَةِ أَوْلَى [1] .
الْآيَةُ الثَّانِيَةُ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا} وَصَفَ الْأُمَّةَ بِكَوْنِهِمْ وَسَطًا، وَالْوَسَطُ هُوَ الْعَدْلُ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ النَّصُّ وَاللُّغَةُ.
أَمَّا النَّصُّ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: {قَالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ} أَعْدَلُهُمْ، وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: " «خَيْرُ الْأُمُورِ أَوْسَاطُهَا» ".
وَأَمَّا اللُّغَةُ فَقَوْلُ الشَّاعِرِ:
هُمْ وَسَطٌ يَرْضَى الْأَنَامُ بِحُكْمِهِمْ ... إِذَا نَزَلَتْ إِحْدَى اللَّيَالِي بِمُعْظَمِ [2] أَيْ عُدُولٌ.

[1] يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: مَا وَضَحَ مِنْ أَحْكَامِ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ، وَتَمَكَّنَ الْمُكَلَّفُ مُطْلَقًا مِنْ مَعْرِفَتِهِ وَلَوْ بِالِاسْتِعَانَةِ بِغَيْرِهِ فِي الْبَحْثِ لَمْ يَجُزْ لَهُ التَّقْلِيدُ فِيهِ، وَمَا عَجَزَ عَنْهُ مِنْ أَحْكَامِهِمَا، وَلَوْ مُجْتَهِدًا بَعْدَ الْبَحْثِ حَسَبَ طَاقَتِهِ قَلَّدَ فِيهِ مَنْ يَثِقُ بِهِ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُكَلِّفُ عِبَادَهُ إِلَّا وُسْعَهُمْ، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ إِلَّا مِنْ جِهَةِ الْوُضُوحِ وَالْخَفَاءِ وَالْبَلَاغِ وَعَدَمِهِ، وَمِنْ جِهَةِ التَّفَاوُتِ فِي الِاسْتِعْدَادِ وَظُرُوفِ الْحَيَاةِ.
[2] الْبَيْتُ لِزُهَيْرِ بْنِ أَبِي سُلْمَى، انْظُرْ تَفْسِيرَ ابْنِ جَرِيرٍ لِلْآيَةِ، وَتَعْلِيقَ الْأُسْتَاذِ مَحْمُودِ مُحَمَّدِ شَاكِرٍ عَلَى هَذَا الْبَيْتِ.
اسم الکتاب : الإحكام في أصول الأحكام المؤلف : الآمدي، أبو الحسن    الجزء : 1  صفحة : 211
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست