إلَيْهِ، وَلَا عِبْرَةَ بِاخْتِلَافِ الْبَاقِينَ، وَطَرِيقُ مَالِكٍ إلَيْهَا لَا يُخْتَلَفُ فِي صِحَّتِهِ وَعَدَالَةِ رُوَاتِهِ، قَالَ: وَقَدْ رَوَى هَذَا الْحَدِيثَ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ غَيْرُ بُسْرَةَ نَحْوُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ. وَأَبِي هُرَيْرَةَ. وَعَائِشَةَ، وَأُمِّ حَبِيبَةَ، وَكَثْرَةُ الرُّوَاةِ مُؤَثِّرَةٌ فِي التَّرْجِيحِ، وَأَمَّا حَدِيثُ الرُّخْصَةِ فَإِنَّهُ لَا يُحْفَظُ مِنْ طَرِيقٍ تُوَازِي هَذِهِ الطُّرُقَ، أَوْ تُقَارِبُهَا إلَّا مَنْ حَدِيثِ طَلْقِ بْنِ عَلِيٍّ الْيَمَامِيِّ وَهُوَ حَدِيثٌ فَرْدٌ فِي الْبَابِ، قَالَ: وَزَعَمَ بَعْضُ الْكُوفِيِّينَ أَنَّ كَثْرَةَ الرُّوَاةِ لَا أَثَرَ لَهَا فِي بَابِ التَّرْجِيحَاتِ، لِأَنَّ طَرِيقَ كل ولحد مِنْهُمَا غَلَبَةُ الظَّنِّ، فَصَارَ كَشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ مَعَ شَهَادَةِ أَرْبَعَةٍ، وَرَدُّهُ بِأَنَّ غَلَبَةَ الظن إنما يعتبر فِي بَابِ الرِّوَايَةِ دُونَ الشهادة،
= حديثه عن الطبراني، لكن ارتفع به قصة التقدم والتأخر، وهدم ما بناه ابن حبان، فلذا اكتفى الحازمي على النسخ بقوله: يشبه أن يكون سمع الحديث الأول حديث الرخصة من النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قبل هذا، ثم سمع هذا بعد فوافق حديث بسرة، اهـ. قلنا: للخصم أن يقول: يشبه أن يكون سمع أولاً حديث الوضوء ثم حديث الرخصة، والله أعلم.
أما الثالث: فلم يثبت أيضاً لما تقدم، بل الظاهر أنه لم يجيء قبل عام الوفود، وشركته في بناء المسجد، كشركة أبي هريرة. وعمرو بن العاص. وابنه رضي الله عنهم عند البناء الثاني، وبه تبين حال المقدمة الخامسة، والله أعلم.
وأما الرابع: فكفانا لرده أيضاً الحازمي حيث قال: بسرة قديم هجرتها وصحبتها.
أما التطبيق فقالوا: إن المراد بحديث بسرة - الإصابة بباطن الكف - وبحديث طلق - بظهره - واستدل عليه البيهقي: ص 35 - ج 1 بحديث محمد بن جابر، قال: حدثني شيخ لنا من أهل اليمامة، يقال له: قيس بن طلق عن أبيه أنه سأل النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أو سمع رجلاً يسمعه، فقال: بينما أنا أصلي، فذهبت أحك فخذي فأصابت يدي ذكري، فقال النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "ما هو منك؟ " قال: والظاهر من حال من يحك فخذه وإصابة يده ذكراً أن يصيبه بظهر الكف، اهـ. قلت: محمد بن جابر في هذه الرواية، قال البيهقي: ضعيف، وأن من استدل بهذا الحديث على الرخصة إنما استدل بقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا بظاهر حال السائل، وقول النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنما هو منك" لا يفرق بين الكف والظهر، وقال: والظاهر من حال من يحك، الخ، أيضاً ممنوع، نعم لو كان لفظه: فحككت فخذي، فأصابت يدي ذكري، لكان الظاهر كما قال، فأما وقد قال: فذهبت أحك فخذي فأصابت يدي ذكري فلا.
وبما جاء في بعض الآثار: من أفضى بيده إلى فرجه فليتوضأ، قال البيهقي ص 34 - ج 1: قال الشافعي: الإفضاء باليد إنما هو ببطنها، وفيه ما قال ابن حزم في المحلى ص 238 - ج 1: هذا لا يصح أصلاً ولو صح لما كان فيه دليل على ما يقولون، لأن الإفضاء باليد يكون بظاهر اليد كما يكون بباطنها حتى لو كان الإفضاء بباطن اليد، لما كان في ذلك ما يسقط الوضوء عن غير الإفضاء، إذا جاء أثر بزيادة على لفظ الإفضاء، فكيف والإفضاء يكون بجميع الجسد قال اللَّه تعالى: {وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ} ، وبأن المراد بحديث طلق المس بحائل، واستدلوا على ذلك بحديث أبي هريرة، قال: قال رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "من أفضى بيده إلى فرجه ليس دونهما حجاب فقد وجب عليه وضوء الصلاة"، اهـ. قلنا: يزيد بن عبد الملك الراوي متروك، وتابعه نافع القاري، وهو وإن وثقه بعضهم، فقد قال فيه أحمد: يؤخذ عنه القرآن، وليس في الحديث بشيء، ولا يخفى بعد هذا التأويل.
وأما الاعتبار فقالوا: إن الذكر لا يشبه سائر الجسد، وقد نهى النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن يمس الرجل ذكره بيمينه، ولو كان بمنزلة الإبهام والأنف، وما هو منا لكان لا بأس عليه أن نمسه بأيماننا، قلنا: هذه عليه في مقابلة النص، فإن قوله عليه السلام: "هل هو إلا بضعة منك" يفيد التسوية بينه وبين سائر الجسد، فهي مردودة،، وقد أسند البيهقي ص 130 - ج 1 عن ابن خزيمة، قال: كان الشافعي يوجب الوضوء من مس الذكر اتباعاً لخبر بسرة لا قياساً، اهـ. ولو صح هذا القياس لكان يجب أن يكون خبر طلق ناسخاً، لأن خبر بسرة كان على ما هو الأصل قبل