أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ شَهِدَ خمسون امرأة بشهادةٍ لم تُقْبَلَ شَهَادَتُهُنَّ؟ وَلَوْ شَهِدَ بِهَا رَجُلَانِ قُبِلَا، وَمَعْلُومٌ أَنَّ شَهَادَةَ خَمْسِينَ امْرَأَةٍ أَقْوَى فِي الْيَقِينِ، وَكَذَلِكَ سَوَّى الشَّارِعُ بَيْنِ شَهَادَةِ إمَامَيْنِ عَالِمَيْنِ، وَشَهَادَةِ رَجُلَيْنِ جَاهِلَيْنِ، وَأَمَّا فِي الرِّوَايَةِ فَتُرَجَّحُ رِوَايَةُ الْأَعْلَمِ الدَّيِّنِ عَلَى غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ خلاف يغرف فِي ذَلِكَ، فَظَهَرَ الْفَرْقُ بَيْنَهُمَا، وَوَجَبَ الْمَصِيرُ إلَى حَدِيثِ بُسْرَةَ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ، انْتَهَى.
الْحَدِيثُ الثَّانِي مِنْ أَحَادِيثِ الْأَصْحَابِ، أَخْرَجَهُ ابْنُ مَاجَهْ فِي سُنَنِهِ[1] عَنْ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ عَنْ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِي أُمَامَةَ أَنَّ رَجُلًا[2]، سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: إنِّي مَسِسْتُ ذَكَرِي وَأَنَا أُصَلِّي، فَقَالَ: "لَا بأس إنما هو جُزْءٌ مِنْك"، انْتَهَى. وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ، قَالَ الْبُخَارِيُّ. وَالنَّسَائِيُّ والدارقطني فِي جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ: مَتْرُوكٌ. وَالْقَاسِمُ أَيْضًا: ضَعِيفٌ.
الْحَدِيثُ الثَّالِثُ: أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ فِي سُنَنِهِ[3] عَنْ الْفَضْلِ بْنِ الْمُخْتَارِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ مَوْهَبٍ عَنْ عِصْمَةَ بْنِ مَالِكٍ الْخِطْمِيَّ - وَكَانَ مِنْ الصَّحَابَةِ - أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إنِّي احْتَكَكْت فِي الصَّلَاةِ، فَأَصَابَتْ يدي فرجي، انتهى. فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَأَنَا أَفْعَلُ ذَلِكَ"، انْتَهَى. وَهُوَ حَدِيثٌ ضَعِيفٌ أَيْضًا، قَالَ ابْنُ عَدِيٍّ: الْفَضْلُ بْنُ مُخْتَارٍ أَحَادِيثُهُ مُنْكَرَةٌ، وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: هُوَ مَجْهُولٌ. وَأَحَادِيثُهُ مُنْكَرَةٌ، يُحَدِّثُ بِالْأَبَاطِيلِ، انْتَهَى. قَالَ الطَّحَاوِيُّ[4] فِي شَرْح الْآثَار: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ مِثْلُ مَذْهَبِنَا، ثُمَّ أَخْرَجَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ[5] رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ:
= الرخصة، وما استدلوا به من النهي عن مس الذكر بيمينه، فليس هو لأجل البضعة، بل لأجل البول، فإن الحديث في الصحيح عن أبي قتادة رفعه: إذا أتى أحدكم الغائط، فلا يمسح ذكره بيمينه، فمسح الذكر كناية عن الاستنجاء، وكذ 1 الحكم في الأنف لا يمسحه بيمينه لأجل المخاط، وعليه حمل بعض أهل العلم حديث بسرة، بأن المراد بالمس فيه المس للاستنقاء من البول، قال ابن الهمام في الفتح ص 38 - ج 1: إن سلكنا طريق الجمع جعل مس الذكر كناية عما يخرج منه، وهو من أسرار البلاغة يسكتون عن ذكر الشيء ويرمزون عليه بذكر ما هو من روادفه، قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إذا بال أحدكم فلا يمس ذكره بيمينه ولا يستنجي بيمينه" الحديث، أحمد ص 300 - ج 5. فلما كان مس الذكر غالباً يرادف خروج الحدث منه ويلازمه عبر به عنه، كما عبر تعالى بالمجيء من الغائط، عما يقصد الغائط لأجله ويحل فيه، فيطابق طريق الكتاب والسنة في التعبير، فيصار إلى هذا لدفع التعارض اهـ. وحمل بعض أهل العلم حديث بسرة على الاستحباب. وحديث طلق على الاباحة والرخصة.
وأما السادس: فبما قال ابن تيمية في الفتاوى ص 58 - ج 1: إن الوضوء في كلام رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لم يروه قط إلا وضوء الصلاة، الخ. قلت: هذا دعوى عجرد، وقد قال صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لعكراش حين غسل يديه: "هذا وضوء". [1] ص 37. [2] قلت: متنه عند ابن ماجه هكذا: سئل رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عن مس الذكر فقال: "إنما هو جزء منك" اهـ، وأخرجه ابن أبي شيبة، وفيه: هل هو إلا جذوة منك؟. [3] ص 54. [4] ص 47. [5] وأخرج ابن أبي شيبة عن ابن مسعود. وسعد. وحذيفة. وابن عباس. وعمار بن ياسر. وعمران بن حصين. وعلي بن أبي طالب نحوه.