حَدِيثُ طَلْقٍ عِنْدَنَا أَثْبَتُ مِنْ حَدِيثِ بُسْرَةَ، وَأَجَابَ: بِأَنَّ بُسْرَةَ مَشْهُورَةٌ لَا يُنْكِرُ شُهْرَتَهَا إلَّا مَنْ لَا يَعْرِفُ أَحْوَالَ الرُّوَاةِ، ثُمَّ أَسْنَدَ إلَى مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ: بُسْرَةُ بِنْتُ صَفْوَانَ هِيَ جَدَّةُ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ مَرْوَانَ أَوْ أُمُّهُ فَاعْرِفُوهَا، وَقَالَ مُصْعَبٌ الزُّبَيْرِيُّ: بُسْرَةُ بِنْتُ صَفْوَانَ بْنِ نَوْفَلِ بْنِ أَسَدٍ مِنْ التَّابِعَاتِ، وَوَرَقَةُ بْنُ نَوْفَلِ عَمُّهَا، وَلَيْسَ لِصَفْوَانَ بْنِ نَوْفَلٍ عَقِبٌ إلَّا مِنْ قِبَلِ بُسْرَةَ، وَهِيَ زَوْجَةُ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْمُغِيرَةِ بْنِ أَبِي الْعَاصِ، قَالَ: وَأَمَّا اخْتِلَافُ الرُّوَاةِ فِي حَدِيثِهَا فَقَدْ وُجِدَ فِي حَدِيثِ طَلْقٍ نَحْوُ ذَلِكَ، ثُمَّ إذَا صَحَّ لِلْحَدِيثِ طَرِيقٌ وَاحِدٌ وَسَلِمَ مِنْ شَوَائِبِ الطَّعْنِ تَعَيَّنَ المصير
= يقول حين يبني المسجد لعمار: "إنك حريص على الجهاد، وإنك لمن أهل الجنة، وتقتلك الفئة الباغية؟ " قال: بلى، الحديث، قال: رواه الطبراني، ورجاله ثقات، اهـ. ففي هذا أن بناءه كان بعد فتح مكة، فالاستدلال بمجرد حضور طلق بناء المسجد بحديث ضعيف - لو استدل به مخالفهم لشنوا عليه الغارة - لا يكفي ولا يشفي، كيف ساغ لهم أن يدعوا أن طلقاً وفد على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في السنة الأولى؟! وقد كان يكفي لرده سند طلق كله، أفلا يكفي لهم حديثه: إذا رأيتم الهلال فصوموا لرؤيته، وإذا رأيتموه أفطروا، فإن أغمي عليكم أتموا العدة فإن المراد بالعدة فيه عدة رمضان، فكأن هذه القدمة بعد فرض رمضان، وأن فرضيته نزلت في آخر السنة الثانية؟! أفلا يكفي لابن حبان حديث الوفد وكسر البيعة الذي استدل به، لأن عام الوفد بعد الهدنة، بل بعد الفتح، ومتى كان المسلمون قادرين على كسر البيعة في السنة الأولى؟! ثم على ما استدل به لا يتعلق بشيء مما في السياق بمطلوبه، لأن الحديث ليس إلا أن طلقاً جاء وافداً وخرج راجعاً، واستوهب ماءاً، وكسر بيعة، وشيء من ذلك لا يدل أن قدومه كان في السنة الأولى، أو أنه لم يرجع بعد إلى المدينة، إلا ما ادعى بعد رواية الحديث، ثم لم يعلم له رجوع بعد ذلك، فمن ادعى يثبته بسنة مصرحة، ولا سبيل له إلى ذلك، اهـ. ويا للعجب! إنه بصدد أن حديث طلق منسوخ، فهل يكفي له هذا القدر؟! إنه جاء فذهب ولم يعلم له رجوع، فلو كان عدم العلم يكفي في الدلائل لكان له أن يقول من أول الامر: إنه منسوخ، ولم يثبت أنه ناسخ، ومن ادعى فعليه البيان، أيعلم هو أن الاحتمال يكفي لمن يمنع الاستدلال لا لمن يستدل، أي لو تم من دليلكم أن طلقاً جاء في السنة الأولى لتوقف على أمور أخر: منها أنه لم يأت بعد، فعلى من يدعي أن يأتي بدليل على هذا، أو أي حاجة للمانع، أن يأتي بدليل على المقدمة الممنوعة، على أنا نقول: قال ابن سعد في الطبقات ص 55 - ج 1: قدم وفد بني حنيفة على رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بضعة عشرة رجلاً: فيهم رجال بن عنفود. وسلمة بن حنظلة السحيمي. وطلق بن علي بن قيس. وحمران بن حابر. وعلي بن سنان، والأقعس بن مسلمة. وزيد بن عمرو بن عبد عمرو. ومسيلمة بن حبيب، وعلى الوفد سلمى، فأنزلوا دار رملة، ثم ذكر إسلامهم وضيافتهم، وفي الوفد مسليمة الكذاب، وذكر استيهابهم الماء، وكسر البيعة، وادعاء مسيلمة النبوة، وهذا ابن إسحاق إمام المغازي، ذكر قدوم مسيلمة، ومن معه عام الوفود سنة تسع، كما في سيرة ابن هشام ص 340 - ج 2، وعليه اعتمد ابن قيم في الهدى فمن ادعى أن طلقاً قدم قبل عام الوفود فعليه البيان بالسنة الصحيحة الصريحة، وأنى له هذا؟ ثم هذا كله كلامنا مع ابن حبان، وهو إمام من أئمة المسلمين، نستدل به إذا لم ينبين لنا خطأه، لكن ربما يستدل بشيء على شيء، ويغمض عن النتائج، ويرد على شيء ولا يخشى العواقب، كما استدل بالحديث الصحيح أن بين بناء المسجد الحرام والمسجد الأقصى أربعون سنة، فقال: هذا رد على من زعم أن بين اسماعيل. وسليمان عليهما السلام ألف سنة، اهـ. ولنعم ما قيل له، فعلى قياس قولك: بينهما أربعون سنة، اهـ. والله أعلم.
وأما الحازمي، فكفأنا عن مؤنة الجواب، حيث روى من طريق أيوب بن عتبة عن قيس بن طلق عن أبيه طلق عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، قال: "من مس فرجه فليتوضأ" ونقل تصحيحه عن الطبراني، وقال ابن عبد الهادي في المحرر ص 19: إسناده لا يثبت، وأيوب عن قيس هو الذي صنفه، فيما قبل، وسكت عنه هنا، بل ذكر تصحيح