responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المعجزة الكبرى القرآن المؤلف : أبو زهرة، محمد    الجزء : 1  صفحة : 181
عطشان صاديًا، حتى إذا أجهدته المشقة وبعد الشقة لا يجد شيئًا، والثاني يعطي صورة لشخص كانت عليه الظلمات توضع واحدة فوق واحدة. وإذا كانت فيها فرجة يرجو منها الرؤية لا يصل إليه النور للسحاب الذي كأنه الغمة، ومن تشبيه الأمر غير المحسوس بالأمر المحسوس، كالمثل السابق في قوله: {مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ} [إبراهيم: 18] .
ويقول الرماني في التعليق على التشبيه: "فهذا بيان قد أخرج ما لا تقع عليه الحاسة إلى ما تقع عليه الحاسة، فقد اجتمع المشبه والمشبَّه به في الهلاك وعدم الانتفاع، والعجز من الاستدراك لما فات، وفي ذلك الحسرة العظيمة والموعظة البليغة" هذا كلام الرماني وهو صدق، وإني أذوق من التشبيه شيئًا بيانيًّا آخر، ذلك أن أولئك الكافرين كانوا يحسبون أن أعمالهم لها أثر في الوجود في زعمهم، ويتوهمون وقوع ذلك وأنهم قدموا، ولكنهم يفاجئون بربح شديدة في يوم عاصف تبدد ما كانوا عليه من أحلام، كانوا يتوهمون أنَّ ما لهم في الدنيا ينفعهم، فلمَّا جاء يوم القيامة بددت أحلامهم، فتقدموا عاطلين في حلبة العمل الطيب، وكان ذلك هو الضلال البعيد، لأنهم زعموا باطلًا، ثم رأوا الحقيقة عيانًا، وفي ضمن القول عبَّر عن عملهم بأنه سراب، أي: إنه شيء ليست له قيمة ذاتية بل هو هباء في ذاته.
107- وقد جاء الرماني بمثل فيه تشبيه ما لم تجر به العادة بما تجري به العادة، وهو قوله تعالى في توثيق الميثاق على بني إسرائيل: {وَإِذْ نَتَقْنَا الْجَبَلَ فَوْقَهُمْ كَأَنَّهُ ظُلَّةٌ وَظَنُّوا أَنَّهُ وَاقِعٌ بِهِمْ خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [الأعراف: 171] ، ويقول في ذلك الرماني: "وهذا بيان قد أخرج ما لم تجر به عادة إلى ما جرت به العادة، وقد اجتمعا في معنى الارتفاع في الصورة، وفيه أعظ الآيات لمن فكّر في مقدورات الله تعالى عند مشاهدته لذلك أو علمه به، ليطلب الخبر من قبله، ونيل المنافع بطاعته".
هذا ما ذكره الرماني في معنى التشبيه، وهو تشبيه ما لم تجر به العادة، إلى ما جرت به العادة، كأنَّ التشبيه كان لغرض تقريب المعنى، وتصوير الغريب كأنه قريب، وذلك في تشبيه الجبل مرتفعًا كأنه ظلة، وهذا المعنى في ذاته صحيح، ولكنه فيما أعتقد لا يصور معنى التشبيه من كل الوجوه؛ لأن رفع الجبل كان لتوثيق الميثاق عليهم, وحملهم على الأخذ به، وإثبات قدرة الله تعالى، وإلقاء المهابة في قلوبهم، فالتشبيه بالظلة للدلالة على الإحاطة، وتصويره لهم كأنه نازل بهم واقع عليهم، ليعرفوا أنَّ ميثاق الله له رهبته، وأن عليهم طاعته، ولذلك قال سبحانه بعد أن روا الجبل مرفوعًا

اسم الکتاب : المعجزة الكبرى القرآن المؤلف : أبو زهرة، محمد    الجزء : 1  صفحة : 181
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست