responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : المعجزة الكبرى القرآن المؤلف : أبو زهرة، محمد    الجزء : 1  صفحة : 180
وقد علق الرماني على التشبيه الأول في الآية الأولى، فقال: "وهذا بيان قد أخرج ما لا تقع عليه الحاسّة إلى ما تقع عليه الحاسة، وإن اجتمعا في بطلان التوهم مع شدة الحاجة وعظم الفاقة، ولو قيل: يحسبه الرائي ماء ثم يظهر أنه كان على خلاف ما قد رأى لكان بليغًا، وأبلغ منه لفظ القرآن؛ لأنَّ الظمآن أشدُّ عليه حرصًا، وتعلق قلبه به، ثم بعد هذه الأمنية حصل على الحساب الذي يصيره إلى عذاب الأبد، نعوذ بالله من هذا الحال، وتشبيه أعمال الكفار بالسراب من حسن التشبيه، فكيف إذا تضمن ذلك حسن النظم وعذوبة اللفظ، وكثرة الفائدة، وصحة الدلالة".
ولم يبين لنا الرماني لماذا كان تعبير القرآن في التشبيه حيث يرى السراب، أبلغ من أن يقال يحسبه الرائي ماء، لم يبين بوضوح أوجه ذلك، ونرى أنَّ قول القائل يحسبه الرائي ماء يفسد التشبيه ولا يفيد الحاجة؛ لأن النص فيه ما يفيد الرغبة في طلب الماء وشدة الحاجة إليه، وذلك محقق في المشبه؛ إذ إن الذين كفروا بآيات الله في وقت حاجتهم إلى عمل صالح يظنون أن عملهم هذا منه وهم محتاجون إلى ما يتقدمون به إلى ربهم من عمل صالح، كالظمآن يطلب الماء.
وأن التشبيه يدل على حيرة الكافرين حتى يتوهموا ما لا يقبل الوقوع واقعًا، وقد أكَّد حيرتهم ما جاء بعد ذلك؛ إذ يقول -سبحانه وتعالى: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ مَوْجٌ مِنْ فَوْقِهِ سَحَابٌ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا وَمَنْ لَمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِنْ نُورٍ} [النور: 40] .
فإذا كان التشبيه الأول شبه حالهم بحال من يتوهمون في عملهم خيرًا، فيكونون كالظمآن يحسب السراب ماء لحيرتهم، واضطرابهم وحاجتهم إلى الماء، فالمثل الثاني يصور حيرتهم، بسبب أنهم في ظلام دامس، فقد شبه -سبحانه وتعالى- حالهم من حيث الحيرة والتباس الأمور عليهم، وانقطاع المل وأنَّهم يظنّون الخير حيث لا مظنَّة، أعمالهم بظلمة حالكة فوقها ظلمة مثلها، وفوق هذه الظلمات سحاب يوجد غمَّة، فليست أعمالهم خيرًا ولكنها شرٌّ عظيم عليهم، وهم يضاعفون من الظلمات بتوالي أعمال الشر فيهم، وسيهم في طريق الغي الذي لا حدَّ له، وقد تكاتف عليهم سوء ما فعلوا.
وخلاصة ما يستنبط من التشبيهين أنهم في حيرة يطلبون ما ينجيهم فلا يجدونه، وإذا توهموه في أمر زال الوهم بالحقيقة المبصرة، وأنهم بسوء أعمالهم في ظلمات بعضها فوق بعض، وهي في نفوسهم، وما يحيط بهم ظلمة داكنة لا يجدون بصيصًا من الأمل يفتحون أعينهم لرؤيته.
والتشبيهان يعطيان صورتين من البيان تدلان على كمال الحيرة وكمال الظلمة، فالمثل الأول يعطي صورة عطشان يطلب الماء، فيتوهمه في سراب فيجري وراءه

اسم الکتاب : المعجزة الكبرى القرآن المؤلف : أبو زهرة، محمد    الجزء : 1  صفحة : 180
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست