اسم الکتاب : المعجزة الكبرى القرآن المؤلف : أبو زهرة، محمد الجزء : 1 صفحة : 182
عليهم وأنه محيط بهم {خُذُوا مَا آتَيْنَاكُمْ بِقُوَّةٍ} -أي: بعزم شديد، {وَاذْكُرُوا مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} .
ومن هذا النوع الذي ذكره الرماني قوله تعالى: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [يونس: 24] .
وقد أخرج الرماني التشبيه كالآية السابقة في نظره، فقال: "قد أخرج ما لم تجر به العادة إلى ما جرت به العادة، وقد اجتمع المشبه والمشبه به في الزينة والبهجة، ثم الهلاك بعده، وفي ذلك العبرة لمن اعتبر، والموعظة لمن تفكر في أن كل فانٍ حقير وإن طالت مدته، وصغير وإن كبر قدره".
وما ذكره الرماني حق في إيجاره، ولكنه ناقص، ونوضحه بعض التوضيح فنقول: إن التشبيه تصوير للحياة، فإن مثلها في بهجتها ومسراتها وهناءتها والسعادة فيها مهما تبلغ من المظهر البهي، والزينة الباهرة ليس لها بقاء، وإنما مآلها إلى الفناء، كمثل الماء ينزل من السماء فينبت النبات الذي يأكل منه الناس مستمتعين، والأنعام والدواب، وأنه إذ يبلغ أقصى زخرفه ونضرته ومتعته، وامتلاء أهل الأرض بالغرور، وظنَّوا أن كل شيء في قبضة أيديهم جاءهم أمر الله، فصار النبات هشيمًا، والإنسان رميمًا، كأن لم يغن أحد بالأمس.
وإن ما ذكره الرماني صادق في إيجازه، ولكنه لا يصور الصورة التي يدل عليها التشبيه، وهو يريك الحياة كالعروس في جلوتها، ثم كالهشيم في صغاره.
ومن التشبيهات التي ساقها الرماني قوله تعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُسْتَمِرٍّ، تَنْزِعُ النَّاسَ كَأَنَّهُمْ أَعْجَازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ} [القم: 19، 20] .
ويقول الرماني في بيان وجه التشبيه: "وهذا بيان قد أخرج ما لم تجر به عادة إلى ما جرت به عادة، وقد اجتمعا في قلع الريح لهما وإهلاكه إياهما، وفي ذلك توحد الآية الدالة على عظم القدرة، والتخويف من تعجيل العقوبة".
وإن هذا القدر الذي ذكره الرماني متحقق، ولكن لا يمكن أن يكون وجه التشبيه هو تشبيه ما لم تجر العادة به بما جرت به العادة فقط، إنما الألفاظ والأسلوب، وما يثيره من صور بيانية تعلو به عن أن يكون لمجرد إثبات ما لا تجري به العادة إلى ما تجري، إنما المقصود من التشبيه فيما نحسب تصوير عذاب الله تعالى، فالله تعالى
اسم الکتاب : المعجزة الكبرى القرآن المؤلف : أبو زهرة، محمد الجزء : 1 صفحة : 182