responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 181
مَطْلَبٌ: فِي أَنَّ الْعِلَلِ الشَّرْعِيَّةِ يَجِبُ اطِّرَادُهَا وَلَا يَجِبُ انْعِكَاسُهَا
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا ذَكَرَهُ الْمُزَنِيّ عَنْ الشَّافِعِيُّ إلْزَامٌ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ; لِأَنَّهُ أَلْزَمَهُ عَكْسَ الْمَعْنَى، وَإِنَّمَا الَّذِي يَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ عَمْدُهُ خَطَأً أَنْ لَا يُفِيدَ الْمُشَارِكُ لَهُ فِي الْقَتْلِ، وَإِنْ كَانَ عَامِدًا، فَأَمَّا مَنْ لَيْسَ عَمْدُهُ خَطَأً فَلَيْسَ يَلْزَمُهُ أَنْ يُخَالِفَ بَيْنَهُمَا فِي الْحُكْمِ بَلْ حُكْمُهُ مَوْقُوفٌ عَلَى دَلِيلِهِ; لِأَنَّهُ عَكْسُ الْعِلَّةِ، وَلَيْسَ يَلْزَمُ مَنْ اعْتَلَّ بِعَلَّةٍ فِي الشَّرْعِ أَنْ يَعْكِسَهَا، وَيُوجِبَ مِنْ الْحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِهَا ضِدَّ مُوجِبِهَا عِنْدَ وُجُودِهَا، أَلَا تَرَى أَنَّا إذَا قُلْنَا: وُجُودُ الْغَرَرِ يَمْنَعُ جَوَازَ الْبَيْعِ لَمْ يَلْزَمْنَا عَلَى ذَلِكَ الْحُكْمُ بِجَوَازِهِ عِنْدَ عَدَمِ الْغَرَرِ؟ بَلْ جَائِزٌ أَنْ يَمْنَعَ الْجَوَازَ عِنْدَ عَدَمِ الْغَرَرِ لِوُجُودِ مَعْنًى آخَرَ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَمْ يَقْبِضْهُ بَائِعُهُ، أَوْ شَرَطَ فِيهِ شَرْطًا لَا يُوجِبُهُ الْعَقْدُ، أَوْ يَكُونَ مَجْهُولَ الثَّمَنِ، وَمَا جَرَى مَجْرَى ذَلِكَ مِنْ الْمَعَانِي الْمُفْسِدَةِ لِعُقُودِ الْبِيَاعَاتِ. وَجَائِزٌ أَنْ يَجُوزَ الْبَيْعُ عِنْدَ زَوَالِ الْغَرَرِ عَلَى حَسَبِ قِيَامِ دَلَالَة الْجَوَازِ وَالْفَسَادِ، وَنَظَائِرُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ فِي مَسَائِلِ الْعَقْدِ لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى ارتياض بنظر الفقه.

مَطْلَبٌ: فِي أَنَّ الْعِلَلِ الشَّرْعِيَّةِ يَجِبُ اطِّرَادُهَا وَلَا يَجِبُ انْعِكَاسُهَا
قَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا ذَكَرَهُ الْمُزَنِيّ عَنْ الشَّافِعِيُّ إلْزَامٌ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ; لِأَنَّهُ أَلْزَمَهُ عَكْسَ الْمَعْنَى، وَإِنَّمَا الَّذِي يَلْزَمُ عَلَى هَذَا الْأَصْلِ أَنَّ كُلَّ مَنْ كَانَ عَمْدُهُ خَطَأً أَنْ لَا يُفِيدَ الْمُشَارِكُ لَهُ فِي الْقَتْلِ، وَإِنْ كَانَ عَامِدًا، فَأَمَّا مَنْ لَيْسَ عَمْدُهُ خَطَأً فَلَيْسَ يَلْزَمُهُ أَنْ يُخَالِفَ بَيْنَهُمَا فِي الْحُكْمِ بَلْ حُكْمُهُ مَوْقُوفٌ عَلَى دَلِيلِهِ; لِأَنَّهُ عَكْسُ الْعِلَّةِ، وَلَيْسَ يَلْزَمُ مَنْ اعْتَلَّ بِعَلَّةٍ فِي الشَّرْعِ أَنْ يَعْكِسَهَا، وَيُوجِبَ مِنْ الْحُكْمِ عِنْدَ عَدَمِهَا ضِدَّ مُوجِبِهَا عِنْدَ وُجُودِهَا، أَلَا تَرَى أَنَّا إذَا قُلْنَا: وُجُودُ الْغَرَرِ يَمْنَعُ جَوَازَ الْبَيْعِ لَمْ يَلْزَمْنَا عَلَى ذَلِكَ الْحُكْمُ بِجَوَازِهِ عِنْدَ عَدَمِ الْغَرَرِ؟ بَلْ جَائِزٌ أَنْ يَمْنَعَ الْجَوَازَ عِنْدَ عَدَمِ الْغَرَرِ لِوُجُودِ مَعْنًى آخَرَ، وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مِمَّا لَمْ يَقْبِضْهُ بَائِعُهُ، أَوْ شَرَطَ فِيهِ شَرْطًا لَا يُوجِبُهُ الْعَقْدُ، أَوْ يَكُونَ مَجْهُولَ الثَّمَنِ، وَمَا جَرَى مَجْرَى ذَلِكَ مِنْ الْمَعَانِي الْمُفْسِدَةِ لِعُقُودِ الْبِيَاعَاتِ. وَجَائِزٌ أَنْ يَجُوزَ الْبَيْعُ عِنْدَ زَوَالِ الْغَرَرِ عَلَى حَسَبِ قِيَامِ دَلَالَة الْجَوَازِ وَالْفَسَادِ، وَنَظَائِرُ ذَلِكَ كَثِيرَةٌ فِي مَسَائِلِ الْعَقْدِ لَا يَخْفَى عَلَى مَنْ لَهُ أَدْنَى ارْتِيَاضٍ بِنَظَرِ الْفِقْهِ.

فَمَنْ اعْتَبَرَ حَالَ الْوُجُوبِ بِحَالِ الِاسْتِيفَاءِ فَهُوَ مُغْفِلٌ لِلْوَاجِبِ عَلَيْهِ. وَأَيْضًا فَإِنَّهُ مَتَى عَفَا عَنْ أَحَدِهِمَا سَقَطَ حُكْمُ قَتْلِهِ فَصَارَ الْبَاقِي فِي حُكْمِ الْمُنْفَرِدِ بِقَتْلِهِ فَلَزِمَهُ الْقَوَدُ، وَلَمْ يَسْقُطْ عَنْهُ بِسُقُوطِهِ عَنْ الْآخَرِ. وَأَمَّا الْمَجْنُونُ وَمَنْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْقَوَدُ فَحُكْمُ فِعْلِهِ ثَابِتٌ عَلَى وَجْهِ الْخَطَإِ، وَذَلِكَ مُوجِبٌ لِحَظْرِ دَمِ مَنْ شَارَكَهُ; إذْ كَانَ حُكْمُهُ حُكْمَهُ لِاشْتِرَاكِهِمَا فِيهِ. وَإِذَا ثَبَتَ بِمَا قَدَّمْنَا مِنْ دَلَائِلِ الْكِتَابِ وَالنَّظَرِ سُقُوطُ الْقَوَدِ عَمَّنْ شَارَكَهُ مَنْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَوَدُ، جَازَ أَنْ يَخُصَّ بِهِمَا مُوجِبَ حُكْمِ الْآيِ الْمَذْكُورِ فِيهَا الْقِصَاصُ مِنْ قَوْلِهِ: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} وقوله: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ} وَقَوْلِهِ: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً} [الإسراء: 33] وَ {النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] وَمَا جَرَى مَجْرَى ذَلِكَ مِنْ عُمُومِ السُّنَنِ الْمُوجِبَةِ لِلْقِصَاصِ وَلِأَنَّ جَمِيعَ ذَلِكَ عَامٌّ قَدْ أُرِيدَ بِهِ الْخُصُوصُ بِالِاتِّفَاقِ، وَمَا كَانَ هَذَا سَبِيلَهُ فَجَائِزٌ تَخْصِيصُهُ بِدَلَائِلِ النَّظَرِ، وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ.
وَذَكَرَ الْمُزَنِيّ أَنَّ الشَّافِعِيَّ احْتَجَّ عَلَى مُحَمَّدٍ فِي مَنْعِهِ إيجَابَ الْقَوَدِ عَلَى الْعَامِدِ إذَا شَارَكَهُ صَبِيٌّ أَوْ مَجْنُونٌ، فَقَالَ: إنْ كُنْتَ رَفَعْتَ عَنْهُ الْقَتْلَ لِأَنَّ الْقَلَمَ مَرْفُوعٌ عَنْهُمَا، وَأَنَّ عَمْدَهُمَا خَطَأٌ، فَهَلَّا أَقَدْتَ مِنْ الْأَجْنَبِيِّ إذَا قَتَلَ عَمْدًا مَعَ الْأَبِ لِأَنَّ الْقَلَمَ عَنْ الْأَبِ لَيْسَ بِمَرْفُوعٍ. وَهَذَا تَرْكٌ لِأَصْلِهِ. قَالَ الْمُزَنِيّ: "قَدْ شَرَكَ الشَّافِعِيُّ مُحَمَّدًا فِيمَا أُنْكِرَ عَلَيْهِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ; لِأَنَّ رَفْعَ الْقِصَاصِ عَنْ الْمُخْطِئِ وَالْمَجْنُونِ وَاحِدٌ، وَكَذَلِكَ حُكْمُ مَنْ شَرَكَهُمْ فِي الْعَمْدِ وَاحِدٌ".

اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 181
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست