responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 180
الْوَاجِبُ عَلَى الشَّرِيكِ الَّذِي يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ الْقَوَدُ قِسْطَهُ مِنْ الدِّيَةِ دُونَ جَمِيعِهَا، ثَبَتَ أَنَّ الْجَمِيعَ قَدْ صَارَ فِي حُكْمِ الْخَطَإِ، لَوْلَا ذَلِكَ لَوَجَبَ جَمِيعُ الدِّيَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَوْ كَانُوا جَمِيعًا مِمَّنْ يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْقَوَدُ لَأَقَدْنَا مِنْهُمْ جَمِيعًا، وَكَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ فِي حُكْمِ الْقَاتِلِ مُنْفَرِدًا بِهِ؟ فَلَمَّا وَجَبَ عَلَى الْمُشَارِكِ الَّذِي لَا قَوَدَ عَلَيْهِ قِسْطُهُ مِنْ الدِّيَةِ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى سُقُوطِ الْقَوَدِ، وَأَنَّ النَّفْسَ قَدْ صَارَتْ فِي حُكْمِ الْخَطَإِ; فَلِذَلِكَ انْقَسَمَتْ الدِّيَةُ عَلَى عَدَدِهِمْ. وَمِنْ حَيْثُ وَافَقْنَا الشَّافِعِيَّ فِي قَاتِلِي الْعَمْدِ وَالْخَطَإِ أَنْ لَا قَوَدَ عَلَى الْعَامِدِ مِنْهُمَا لَزِمَهُ مِثْلُ ذَلِكَ فِي الْعَاقِلِ وَالْمَجْنُونِ وَالصَّبِيِّ وَالْبَالِغِ; لِمُشَارَكَتِهِ فِي الْقَتْلِ مَنْ لَا قَوَدَ عَلَيْهِ فِيهِ. وَأَيْضًا فَوَجَدْنَا فِي الْأُصُولِ امْتِنَاعَ وُجُوبِ الْمَالِ وَالْقَوَدِ فِي شَخْصٍ وَاحِدٍ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ الْقَاتِلُ وَاحِدًا فَوَجَبَ الْمَالُ انْتَفَى وُجُوبُ الْقِصَاصِ؟ وَكَذَلِكَ الْوَطْءُ إذَا وَجَبَ بِهِ الْمَهْرُ سَقَطَ الْحَدُّ، وَكَذَلِكَ السَّرِقَةُ إذَا وَجَبَ بِهَا الضَّمَانُ سَقَطَ الْقَطْعُ عِنْدَنَا; لِأَنَّ الْمَالَ لَا يَجِبُ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ إلَّا مَعَ وُجُودِ الشُّبْهَةِ الْمُسْقِطَةِ لِلْقَوَدِ وَالْحَدِّ، فَلَمَّا وَجَبَ الْمَالُ فِي مَسْأَلَتِنَا بِالِاتِّفَاقِ انْتَفَى بِهِ وُجُوبُ الْقِصَاصِ. وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ سُقُوطَ الْقَوَدِ فِيمَا وَصَفْنَا أَوْلَى مِنْ إيجَابِهِ: أَنَّ الْقَوَدَ قَدْ يَتَحَوَّلُ مَالًا بَعْدَ ثُبُوتِهِ، وَالْمَالُ لَا يَتَحَوَّلُ قَوَدًا بِوَجْهٍ، فَكَانَ مَا لَا يَنْفَسِخُ إلَى غَيْرِهِ أَوْلَى بِالْإِثْبَاتِ مِمَّا يَنْفَسِخُ بَعْدَ ثُبُوتِهِ إلَى الْآخَرِ، وَكَانَ سُقُوطُ الْقَوَدِ عَنْ أَحَدِهِمَا مُسْقِطًا لَهُ عَنْ الْآخَرِ.
فَإِنْ قِيلَ: فَأَنْتُمْ تَقُولُونَ فِي الْعَامِدِينَ إذَا قَتَلَا رَجُلًا ثُمَّ عَفَا الْوَلِيُّ عَنْ أَحَدِهِمَا أَنَّ الْآخَرَ يُقْتَلُ، فَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ تَقُولُوا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ. قِيلَ لَهُ: هَذَا سُؤَالٌ سَاقِطٌ عَلَى أَصْلِ الشَّافِعِيِّ; لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يُقِيدَ مِنْ الْعَامِدِ إذَا شَارَكَهُ الْمُخْطِئُ; إذْ كَانَتْ الشَّرِكَةُ لَا حَظَّ لَهَا فِي نَفْيِ الْقَوَدِ عَمَّنْ يَجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ لَوْ انْفَرَدَ، وَإِنْ كَانَ سُقُوطُ الْقَوَدِ عَنْ أَحَدِ قَاتِلَيْ الْعَمْدِ بِالْعَفْوِ لَا يَسْقُطُ عَنْ الْآخَرِ، فَلَمَّا لَمْ يَلْزَمْهُ ذَلِكَ فِي الْمُخْطِئِ وَالْعَامِدِ لَمْ يَلْزَمْنَا فِي الصَّبِيِّ وَالْبَالِغِ وَالْمَجْنُونِ وَالْعَاقِلِ. وَالسُّؤَالُ سَاقِطٌ لِلْآخَرَيْنِ أَيْضًا مِنْ قِبَلِ أَنَّ هَذَا كَلَامٌ فِي الِاسْتِيفَاءِ، وَالِاسْتِيفَاءُ لَا يَجِبُ عَلَى وَجْهِ الشَّرِكَةِ; إذْ لَهُ أَنْ يَقْتُلَ أَحَدَهُمَا قَبْلَ الْآخَرِ، وَلَهُ أَنْ يَقْتُلَ مَنْ وَجَدَهُ مِنْهُمَا دُونَ مَنْ لَمْ يَجِدْ. وَأَيْضًا مَسْأَلَتُنَا فِي الْوُجُوبِ ابْتِدَاءً إذَا وَقَعَ الْقَتْلُ عَلَى وَجْهِ الشَّرِكَةِ فَيَسْتَحِيلُ حِينَئِذٍ أَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا قَدْ صَارَ فِي الْحُكْمِ كَمُتْلِفٍ دُونَ الْآخَرِ، وَاسْتَحَالَ انْفِرَادُ أَحَدِهِمَا بِالْحُكْمِ دُونَ شَرِيكِهِ. وَأَيْضًا فَالْوُجُوبُ حُكْمٌ غَيْرُ الِاسْتِيفَاءِ، فَغَيْرُ جَائِزٍ إلْزَامُ الِاسْتِيفَاءِ عَلَيْهِ; إذْ غَيْرُ جَائِزٍ اعْتِبَارُ حَالِ الِاسْتِيفَاءِ بِحَالِ الْوُجُوبِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِي حَالِ الِاسْتِيفَاءِ تَائِبًا وَلِيًّا لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَغَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ فِي حَالِ الْقَتْلِ الْمُوجِبِ لِلْقَوَدِ وَلِيًّا لِلَّهِ تَعَالَى؟ وَجَائِزٌ أَنْ يَتُوبَ الزَّانِي فَيَكُونُ حَقُّ اسْتِيفَاءِ الْحَدِّ بَاقِيًا عَلَيْهِ، وَغَيْرُ جَائِزٍ وُجُوبُ الْحَدِّ، وَهُوَ عَلَى هَذِهِ الصِّفَةِ؟

اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 180
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست