responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 182
وَمِمَّا يُحْتَجُّ بِهِ فِي ذَلِكَ: حَدِيثُ ابْنِ عُمَرَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "أَلَا إنَّ قَتِيلَ خَطَإِ الْعَمْدِ قَتِيلُ السَّوْطِ وَالْعَصَا فِيهِ الدِّيَةُ مُغَلَّظَةٌ" وَقَتِيلُ الصَّبِيِّ وَالْبَالِغِ وَالْمَجْنُونِ وَالْعَاقِلِ وَالْمُخْطِئِ وَالْعَامِدِ هُوَ خَطَأُ الْعَمْدِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا: أَنَّ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَسَّرَ قَتْلَ خَطَإِ الْعَمْدِ بِأَنَّهُ قَتِيلُ السَّوْطِ وَالْعَصَا، فَإِذَا اشْتَرَكَ مَجْنُونٌ مَعَهُ عَصًا وَعَاقِلٌ مَعَهُ سَيْفٌ فَهُوَ قَتِيلُ خَطَإِ الْعَمْدِ لِقَضِيَّةِ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَالْوَاجِبُ أَنْ لَا قِصَاصَ فِيهِ. وَالْوَجْهُ الْآخَرُ: أَنَّ عَمْدَ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ خَطَأٌ; لِأَنَّ الْقَتْلَ لَا يَخْلُو مِنْ أَحَدِ ثَلَاثَةِ أَوْجُهٍ: إمَّا خَطَأٌ أَوْ عَمْدٌ أَوْ شِبْهُ عَمْدٍ، فَلَمَّا لَمْ يَكُنْ قَتْلُ الصَّبِيِّ وَالْمَجْنُونِ عَمْدًا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ فِي أَحَدِ الْحَيِّزَيْنِ الْآخَرَيْنِ مِنْ الْخَطَإِ أَوْ شِبْهِ الْعَمْدِ، وَأَيُّهُمَا كَانَ فَقَدْ اقْتَضَى ظَاهِرُ لَفْظِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إسْقَاطَ الْقَوَدِ عَنْ مُشَارِكِهِ فِي الْقَتْلِ; لِأَنَّهُ قَتِيلُ خَطَأٍ أَوْ قَتِيلُ خَطَإِ الْعَمْدِ. وَأَيْضًا فَإِنَّهُ أَوْجَبَ فِيمَنْ اسْتَحَقَّ هَذِهِ التَّسْمِيَةَ دِيَةً مُغَلَّظَةً، وَمَتَى وَجَبَتْ الدِّيَةُ كَامِلَةً انْتَفَى الْقَوَدُ بِالِاتِّفَاقِ.
فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَوْلِهِ: "قَتِيلُ خَطَإِ الْعَمْدِ" إذَا انْفَرَدَ بِقَتْلِهِ بِالسَّوْطِ وَالْعَصَا. قِيلَ لَهُ: مُشَارَكَةُ غَيْرِهِ فِيهِ بِالسَّيْفِ لَا تُخْرِجُهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ قَتِيلَ السَّوْطِ وَالْعَصَا، وَقَتِيلَ خَطَأٍ; لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِنْ حَيْثُ كَانَ قَاتِلًا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ هُوَ قَتِيلًا لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، فَاشْتَمَلَ لَفْظُ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى الْمَعْنَيَيْنِ، وَانْتَفَى بِهِ الْقِصَاصُ فِي الْحَالَيْنِ. وَيَدُلُّ عَلَى صِحَّةِ مَا ذَكَرْنَا، وَأَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ اخْتِلَافُ حُكْمِ مُشَارَكَةِ الْمَجْنُونِ لِلْعَاقِلِ وَالْمُخْطِئِ لِلْعَامِدِ، أَنَّ رَجُلًا لَوْ جَرَحَ رَجُلًا، وَهُوَ مَجْنُونٌ ثُمَّ أَفَاقَ وَجَرَحَهُ أُخْرَى بَعْدَ الْإِفَاقَةِ ثُمَّ مَاتَ الْمَجْرُوحُ مِنْهُمَا، أَنَّهُ لَا قَوَدَ عَلَى الْقَاتِلِ، كَمَا لَوْ جَرَحَهُ خَطَأً ثُمَّ جَرَحَهُ عَمْدًا، وَمَاتَ مِنْهُمَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ الْقَوَدُ، وَكَذَلِكَ لَوْ جَرَحَهُ مُرْتَدًّا ثُمَّ أَسْلَمَ ثُمَّ جَرَحَهُ، وَمَاتَ مِنْ الْجِرَاحَتَيْنِ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْجَارِحِ الْقَوَدُ. وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى مَعْنَيَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّ مَوْتَهُ مِنْ جِرَاحَتَيْنِ، إحْدَاهُمَا غَيْرُ مُوجِبَةٍ لِلْقَوَدِ، وَالْأُخْرَى مُوجِبَةٌ يُوجِبُ إسْقَاطَ الْقَوَدِ، وَلَمْ يَكُنْ لِانْفِرَادِ الْجِرَاحَةِ الَّتِي لَا شُبْهَةَ فِيهَا عَنْ الْأُخْرَى حُكْمٌ فِي إيجَابِ الْقَوَدِ، بَلْ كَانَ الْحُكْمُ لِلَّتِي لَمْ تُوجِبْ قَوَدًا، فَوَجَبَ عَلَى هَذَا أَنَّهُ إذَا مَاتَ مِنْ جِرَاحَةِ رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا لَوْ انْفَرَدَ أَوْجَبَتْ جِرَاحَتُهُ الْقَوَدَ، وَالْأُخْرَى لَا تُوجِبُهُ أَنْ يَكُونَ حُكْمُ سُقُوطِهِ أَوْلَى مِنْ حُكْمِ إيجَابِهِ لِحُدُوثِ الْمَوْتِ مِنْهُمَا، فَكَانَ حُكْمُ مَا يُوجِبُ سُقُوطَ الْقَوَدِ أَوْلَى مِنْ حُكْمِ مَا يُوجِبُهُ، وَالْعِلَّةُ فِيهَا مَوْتُهُ مِنْ جِرَاحَتَيْنِ إحْدَاهُمَا مِمَّا تُوجِبُ الْقَوَدَ، وَالْأُخْرَى مِمَّا لَا تُوجِبُهُ. وَالْمَعْنَى الْآخَرُ: مَا قَسَّمْنَا الْكَلَامَ عَلَيْهِ بَدِيًّا، هُوَ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُخْطِئِ وَالْعَامِدِ وَبَيْنَ الْمَجْنُونِ وَالْعَاقِلِ عِنْدَ الِاشْتِرَاكِ، كَمَا لَمْ تَخْتَلِفْ جِنَايَةُ الْمَجْنُونِ فِي حَالِ جُنُونِهِ ثُمَّ فِي حَالِ إفَاقَتِهِ إذَا حَدَثَ الْمَوْتُ مِنْهُمَا. وَجِنَايَةُ الْخَطَإِ وَالْعَمْدِ إذَا حَدَثَ الْمَوْتُ مِنْهُمَا فِي سُقُوطِ الْقَوَدِ فِي الْحَالَيْنِ، كَذَلِكَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَخْتَلِفَ حُكْمُ جِنَايَةِ الصَّحِيحِ لمشاركة

اسم الکتاب : أحكام القرآن - ط العلمية المؤلف : الجصاص    الجزء : 1  صفحة : 182
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست