responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : في ظلال القرآن المؤلف : سيد قطب    الجزء : 1  صفحة : 519
الحديث عن هذه الغزوة. فيرجع إليها هناك [1] .
172- وبعد تقرير هذه الحقيقة الكبيرة يتحدث عن «الْمُؤْمِنِينَ» الذين يستبشر الشهداء في الموقعة بما هو مدخر لهم عند ربهم، فيعين من هم ويحدد خصائصهم وصفاتهم وقصتهم مع ربهم:
«الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَاتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ. الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ: إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ، فَزادَهُمْ إِيماناً. وَقالُوا: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ. فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ، وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ» ..
إنهم أولئك الذين دعاهم الرسول- صلى الله عليه وسلم- إلى الخروج معه كرة أخرى غداة المعركة المريرة.
وهم مثخنون بالجراح. وهم ناجون بشق الأنفس من الموت أمس في المعركة. وهم لم ينسوا بعد هول الدعكة، ومرارة الهزيمة، وشدة الكرب. وقد فقدوا من أعزائهم من فقدوا، فقل عددهم، فوق ما هم مثخنون بالجراح! ولكن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- دعاهم. ودعاهم وحدهم. ولم يأذن لأحد تخلف عن الغزوة أن يخرج معهم- ليقويهم ويكثر عددهم كما كان يمكن أن يقال! - فاستجابوا.. استجابوا لدعوة الرسول- صلى الله عليه وسلم- وهي دعوة الله- كما يقرر السياق وكما هي في حقيقتها وفي مفهومهم كذلك- فاستجابوا بهذا لله والرسول «مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ» ، ونزل بهم الضر، وأثخنتهم الجراح.
لقد دعاهم رسول الله- صلى الله عليه وسلم- ودعاهم وحدهم. وكانت هذه الدعوة وما تلاها من استجابة تحمل إيحاءات شتى، وتومئ إلى حقائق كبرى، نشير إلى شيء منها:
فلعل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- شاء ألا يكون آخر ما تنضم عليه جوانح المسلمين ومشاعرهم، هو شعور الهزيمة، وآلام البرح والقرح فاستنهضهم لمتابعة قريش، وتعقبها، كي يقر في أخلادهم أنها تجربة وابتلاء، وليست نهاية المطاف. وأنهم بعد ذلك أقوياء، وأن خصومهم المنتصرين ضعفاء، إنما هي واحدة وتمضي، ولهم الكرة عليهم، متى نفضوا عنهم الضعف والفشل، واستجابوا لدعوة الله والرسول.
ولعل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- شاء في الجانب الآخر ألا تمضي قريش، وفي جوانحها ومشاعرها أخيلة النصر ومذاقاته. فمضى خلف قريش بالبقية ممن حضروا المعركة أمس يشعر قريشاً أنها لم تنل من المسلمين منالاً. وأنه بقي لها منهم من يتعقبها ويكر عليها..
وقد تحققت هذه وتلك كما ذكرت روايات السيرة.
ولعل رسول الله- صلى الله عليه وسلم- شاء أن يشعر المسلمين، وأن يشعر الدنيا كلها من ورائهم، بقيام هذه الحقيقة الجديدة التي وجدت في هذه الأرض.. حقيقة أن هناك عقيدة هي كل شيء في نفوس أصحابها.
ليس لهم من أرب في الدنيا غيرها، وليس لهم من غاية في حياتهم سواها. عقيدة يعيشون لها وحدها، فلا يبقى لهم في أنفسهم شيء بعدها، ولا يستبقون هم لأنفسهم بقية في أنفسهم لا يبذلونها لها، ولا يقدمونها فداها..
لقد كان هذا أمراً جديداً في هذه الأرض في ذلك الحين. ولم يكن بد أن تشعر الأرض كلها- بعد أن يشعر المؤمنون- بقيام هذا الأمر الجديد، وبوجود هذه الحقيقة الكبيرة.

[1] ص 462، 463، 464، 465 من هذا الجزء..
اسم الکتاب : في ظلال القرآن المؤلف : سيد قطب    الجزء : 1  صفحة : 519
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست