responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : في ظلال القرآن المؤلف : سيد قطب    الجزء : 1  صفحة : 520
ولم يكن أقوى في التعبير عن ميلاد هذه الحقيقة من خروج هؤلاء الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح. ومن خروجهم بهذه الصورة الناصعة الرائعة الهائلة: صورة التوكل على الله وحده وعدم المبالاة بمقالة الناس وتخويفهم لهم من جمع قريش لهم- كما أبلغهم رسل أبي سفيان- وكما هوّل المنافقون في أمر قريش وهو ما لا بد أن يفعلوا-:
173- «الَّذِينَ قالَ لَهُمُ النَّاسُ: إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَقالُوا: حَسْبُنَا اللَّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ» ..
هذه الصورة الرائعة الهائلة كانت إعلاناً قوياً عن ميلاد هذه الحقيقة الكبيرة. وكان هذا بعض ما تشير إليه الخطة النبوية الحكيمة..
وتحدثنا بعض روايات السيرة عن صور من ذلك القرح ومن تلك الاستجابة:
قال محمد بن إسحاق: حدثني عبد الله بن خارجة بن زيد بن ثابت عن أبي السائب مولى عائشة بنت عثمان أن رجلاً من أصحاب رسول الله- صلى الله عليه وسلم- من بني عبد الأشهل كان قد شهد أحداً قال:
شهدنا أحداً مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- أنا وأخي، فرجعنا جريحين. فلما أذن مؤذن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- بالخروج في طلب العدو، قلت لأخي- أو قال لي- أتفوتنا غزوة مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم؟ - والله ما لنا من دابة نركبها، وما منا إلا جريح ثقيل. فخرجنا مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- وكنت أيسر جراحاً منه، فكان إذا غلب حملته عقبة.. حتى انتهيا إلى ما انتهى إليه المسلمون.
وقال محمد بن إسحاق: كان يوم أحد يوم السبت النصف من شوال، فلما كان الغد من يوم الأحد لست عشرة ليلة مضت من شوال، أذن مؤذن رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في الناس بطلب العدو، وأذن مؤذنه أن لا يخرجن معنا أحد إلا من حضر يومنا بالأمس. فكلمه جابر بن عبد الله بن عمرو بن حرام.
فقال: يا رسول الله إن أبي كان خلفني على أخوات لي سبع. وقال: يا بني إنه لا ينبغي لي ولا لك أن نترك هؤلاء النسوة ولا رجل فيهن. ولست بالذي أوثرك بالجهاد مع رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على نفسي.
فتخلف على أخوتك. فتخلفت عليهن.. فأذن له رسول الله- صلى الله عليه وسلم- فخرج معه..
173- وهكذا تتضافر مثل هذه الصور الرفيعة على إعلان ميلاد تلك الحقيقة الكبيرة، في تلك النفوس الكبيرة.
النفوس التي لا تعرف إلا الله وكيلاً، وترضى به وحده وتكتفي، وتزداد إيماناً به في ساعة الشدة، وتقول في مواجهة تخويف الناس لهم بالناس:
«حَسْبُنَا اللَّهُ، وَنِعْمَ الْوَكِيلُ» ..
174- ثم تكون العاقبة كما هو المنتظر من وعد الله للمتوكلين عليه، المكتفين به، المتجردين له:
«فَانْقَلَبُوا بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ لَمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضْوانَ اللَّهِ» .
فأصابوا النجاة- لم يمسسهم سوء- ونالوا رضوان الله. وعادوا بالنجاة والرضى.
«بِنِعْمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضْلٍ» ..
فهنا يردهم إلى السبب الأولى في العطاء: نعمة الله وفضله على من يشاء. ومع التنويه بموقفهم الرائع، فإنه يرد الأمر إلى نعمة الله وفضله، لأن هذا هو الأصل الكبير، الذي يرجع إليه كل فضل، وما موقفهم ذاك إلا طرف من هذا الفضل الجزيل! «وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَظِيمٍ» ..

اسم الکتاب : في ظلال القرآن المؤلف : سيد قطب    الجزء : 1  صفحة : 520
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست