responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : فتح القدير المؤلف : الشوكاني    الجزء : 1  صفحة : 515
إِلَى ذَلِكَ أَحَدٌ مِنْ فُقَهَاءِ الْأَمْصَارِ بِالْحِجَازِ، وَلَا بِالْعِرَاقِ، وَلَا مَا وَرَاءَهَا مِنَ الْمَشْرِقِ، وَلَا بِالشَّامِ، وَلَا الْمَغْرِبِ، إِلَّا مَنْ شَذَّ عَنْ جَمَاعَتِهِمْ بِاتِّبَاعِ الظَّاهِرِ، وَنَفْيِ الْقِيَاسِ. وَقَدْ تُرِكَ مَنْ تَعَمَّدَ ذَلِكَ. وَجَمَاعَةُ الْفُقَهَاءِ مُتَّفِقُونَ:
عَلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فِي الْوَطْءِ، كَمَا لَا يَحِلُّ ذَلِكَ فِي النِّكَاحِ. وَقَدْ أَجْمَعَ الْمُسْلِمُونَ عَلَى أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، أَنَّ النِّكَاحَ بِمِلْكِ الْيَمِينِ فِي هَؤُلَاءِ كُلِّهِنَّ سَوَاءٌ، فَكَذَلِكَ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ قِيَاسًا وَنَظَرًا الْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ، وَأُمَّهَاتِ النِّسَاءِ، وَالرَّبَائِبِ، وَكَذَا هُوَ عِنْدَ جُمْهُورِهِمْ، وَهِيَ الْحُجَّةُ الْمَحْجُوجُ بِهَا مَنْ خَالَفَهَا وَشَذَّ عَنْهَا، وَاللَّهُ الْمَحْمُودُ. انْتَهَى.
وَأَقُولُ: هَاهُنَا إِشْكَالٌ، وَهُوَ: أَنَّهُ قَدْ تَقَرَّرَ أَنَّ النِّكَاحَ يُقَالُ عَلَى الْعَقْدِ فَقَطْ، وَعَلَى الْوَطْءِ فَقَطْ، وَالْخِلَافُ فِي كَوْنِ أَحَدِهِمَا حَقِيقَةً وَالْآخَرِ مَجَازًا، أَوْ كَوْنِهِمَا حَقِيقَتَيْنِ مَعْرُوفٌ، فَإِنْ حَمْلَنَا هَذَا التَّحْرِيمَ الْمَذْكُورَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَهِيَ قَوْلُهُ: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ إِلَى آخِرِهَا، عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ تَحْرِيمُ الْعَقْدِ عَلَيْهِنَّ لَمْ يَكُنْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ دَلَالَةٌ عَلَى تَحْرِيمِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْمَمْلُوكَتَيْنِ فِي الْوَطْءِ بِالْمِلْكِ، وَمَا وَقَعَ مِنْ إِجْمَاعِ الْمُسْلِمِينَ عَلَى أَنَّ قوله: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَبَناتُكُمْ وَأَخَواتُكُمْ إلى آخِرِهِ، يَسْتَوِي فِيهِ الْحَرَائِرُ وَالْإِمَاءُ، وَالْعَقْدُ وَالْمِلْكُ لَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَكُونَ مَحَلَّ الْخِلَافِ، وَهُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ فِي الْوَطْءِ بِمِلْكِ الْيَمِينِ مِثْلُ مَحَلِّ الْإِجْمَاعِ، وَمُجَرَّدُ الْقِيَاسِ فِي مِثْلِ هَذَا الْمَوْطِنِ لَا تَقُومُ بِهِ الْحُجَّةُ لِمَا يَرِدُ عَلَيْهِ مِنَ النُّقُوضِ، وَإِنَّ حَمْلَنَا التَّحْرِيمَ الْمَذْكُورَ فِي الْآيَةِ عَلَى الْوَطْءِ فَقَطْ لَمْ يَصِحَّ ذَلِكَ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى تَحْرِيمِ عَقْدِ النِّكَاحِ عَلَى جَمِيعِ الْمَذْكُورَاتِ مِنْ أَوَّلِ الْآيَةِ إِلَى آخِرِهَا، فَلَمْ يَبْقَ إِلَّا حَمْلُ التَّحْرِيمِ فِي الْآيَةِ عَلَى تَحْرِيمِ عَقْدِ النِّكَاحِ، فَيَحْتَاجُ الْقَائِلُ بِتَحْرِيمِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ فِي الْوَطْءِ بِالْمِلْكِ إِلَى دَلِيلٍ وَلَا يَنْفَعُهُ أَنَّ ذَلِكَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ، فَالْحَقُّ لَا يُعْرَفُ بِالرِّجَالِ، فَإِنْ جَاءَ بِهِ خَالِصًا عَنْ شَوْبِ الْكَدَرِ فَبِهَا وَنِعْمَتْ، وَإِلَّا كَانَ الْأَصْلُ الْحِلُّ، وَلَا يَصِحُّ حَمْلُ النِّكَاحِ فِي الْآيَةِ عَلَى مَعْنَيَيْهِ جَمِيعًا أَعْنِي الْعَقْدَ وَالْوَطْءَ، لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْحَقِيقَةِ وَالْمَجَازِ وَهُوَ مَمْنُوعٌ، أَوْ مِنْ بَابِ الْجَمْعِ بَيْنَ مَعْنَيَيِ الْمُشْتَرَكِ، وَفِيهِ الْخِلَافُ الْمَعْرُوفُ فِي الْأُصُولِ، فَتَدَبَّرْ هَذَا.
وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ إِذَا كَانَ الرَّجُلُ يَطَأُ مَمْلُوكَتَهُ بِالْمِلْكِ ثُمَّ أَرَادَ أَنْ يَطَأَ أُخْتَهَا بِالْمِلْكِ، فَقَالَ عَلِيٌّ وَابْنُ عُمَرَ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ: لَا يَجُوزُ لَهُ وَطْءُ الثَّانِيَةِ حَتَّى يَحْرُمَ فَرْجُ الْأُخْرَى بِإِخْرَاجِهَا مِنْ مِلْكِهِ بِبَيْعٍ أَوْ عِتْقٍ، أَوْ بِأَنْ يُزَوِّجَهَا. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَفِيهِ قَوْلٌ ثَانٍ لِقَتَادَةَ: وَهُوَ أن ينوي تحريم الأولى على نفسه وأن لا يقربها، ثم يمسك عنهما حَتَّى تَسْتَبْرِئَ الْمُحَرَّمَةُ ثُمَّ يَغْشَى الثَّانِيَةَ. وَفِيهِ قَوْلٌ ثَالِثٌ:
وَهُوَ أَنَّهُ لَا يَقْرَبُ وَاحِدَةً منهما، هكذا قال الحكم وَحَمَّادٌ. وَرُوِيَ مَعْنَى ذَلِكَ عَنِ النَّخَعِيِّ. وَقَالَ مَالِكٌ:
إِذَا كَانَ عِنْدَهُ أُخْتَانِ بِمِلْكٍ فَلَهُ أَنْ يَطَأَ أَيَّتَهُمَا شَاءَ، وَالْكَفُّ عَنِ الْأُخْرَى مَوْكُولٌ إِلَى أَمَانَتِهِ، فَإِنْ أَرَادَ وَطْءَ الْأُخْرَى فَيَلْزَمُهُ أَنْ يُحَرِّمَ عَلَى نَفْسِهِ فَرَجَ الْأُولَى بِفِعْلٍ يَفْعَلُهُ، مِنْ إِخْرَاجٍ عَنِ الْمِلْكِ، أَوْ تَزْوِيجٍ، أَوْ بَيْعٍ، أَوْ عِتْقٍ، أَوْ كِتَابَةٍ، أَوْ إِخْدَامٍ طَوِيلٍ، فَإِنْ كَانَ يَطَأُ إِحْدَاهُمَا ثُمَّ وَثَبَ عَلَى الْأُخْرَى دُونَ أَنْ يُحَرِّمَ الْأُولَى وَقَفَ عَنْهُمَا، وَلَمْ يَجُزْ لَهُ قُرْبَ إِحْدَاهُمَا حَتَّى يُحَرِّمَ الْأُخْرَى، وَلَمْ يُوكَلْ ذَلِكَ إِلَى أَمَانَتِهِ، لِأَنَّهُ مُتَّهَمٌ. قَالَ الْقُرْطُبِيُّ:
وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ: عَلَى أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا طَلَقَّ زَوْجَتَهُ طَلَاقًا يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ أُخْتَهَا حَتَّى تَنْقَضِيَ

اسم الکتاب : فتح القدير المؤلف : الشوكاني    الجزء : 1  صفحة : 515
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست