responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : فتح القدير المؤلف : الشوكاني    الجزء : 1  صفحة : 516
عِدَّةُ الْمُطَلَّقَةِ. وَاخْتَلَفُوا إِذَا طَلَّقَهَا طَلَاقًا لَا يَمْلِكُ رَجْعَتَهَا فَقَالَتْ طَائِفَةٌ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَنْكِحَ أُخْتَهَا وَلَا رَابِعَةً حَتَّى تَنْقَضِيَ عِدَّةُ الَّتِي طَلَّقَ. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عَلِيٍّ، وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَعَطَاءٍ، وَالنَّخَعِيِّ، وَالثَّوْرِيِّ، وَأَحْمَدَ بن حنبل، وأصحاب الرأي. وقالت طَائِفَةٌ: لَهُ أَنْ يَنْكِحَ أُخْتَهَا وَيَنْكِحَ الرَّابِعَةَ لِمَنْ كَانَ تَحْتَهُ أَرْبَعٌ وَطَلَّقَ وَاحِدَةً مِنْهُنَّ طَلَاقًا بَائِنًا. رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَالْحَسَنِ، وَالْقَاسِمِ، وَعُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ، وَأَبِي عُبَيْدٍ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَلَا أَحْسَبُهُ إِلَّا قَوْلَ مَالِكٍ. وَهُوَ أَيْضًا إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَعَطَاءٍ. قَوْلُهُ: إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهُ مَعْنَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا تَنْكِحُوا مَا نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ إِلَّا مَا قَدْ سَلَفَ وَيَحْتَمِلُ مَعْنًى آخَرَ، وَهُوَ جَوَازُ مَا سَلَفَ، وَأَنَّهُ إِذَا جَرَى الْجَمْعُ فِي الْجَاهِلِيَّةِ كَانَ النِّكَاحُ صَحِيحًا، وَإِذَا جَرَى فِي الْإِسْلَامِ خُيِّرَ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ.
وَالصَّوَابُ الِاحْتِمَالُ الْأَوَّلُ. قَوْلُهُ: وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ [1] عَطْفٌ عَلَى الْمُحَرَّمَاتِ الْمَذْكُورَاتِ. وَأَصْلُ التَّحَصُّنِ: التَّمَنُّعُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ أَيْ: لِتَمْنَعَكُمْ، وَمِنْهُ: الْحِصَانُ، بِكَسْرِ الْحَاءِ لِلْفَرَسِ، لِأَنَّهُ يَمْنَعُ صَاحِبَهُ مِنَ الْهَلَاكِ. وَالْحَصَانُ بِفَتْحِ الْحَاءِ: الْمَرْأَةُ الْعَفِيفَةُ لِمَنْعِهَا نَفْسَهَا، وَمِنْهُ قَوْلُ حَسَّانَ:
حَصَانٌ رَزَانٌ مَا تَزِنُّ بِرِيبَةٍ ... وَتُصْبِحُ غَرْثَى مِنْ لُحُومِ الْغَوَافِلِ «2»
وَالْمَصْدَرُ: الْحَصَانَةُ بِفَتْحِ الْحَاءِ. وَالْمُرَادُ بِالْمُحْصَنَاتِ هُنَا: ذَوَاتُ الْأَزْوَاجِ. وَقَدْ وَرَدَ الْإِحْصَانُ فِي الْقُرْآنِ لَمَعَانٍ، هَذَا أَحُدُهَا. وَالثَّانِي: يُرَادُ بِهِ الْحُرَّةُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلًا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ [3] وَقَوْلُهُ: وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَالْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ [4] .
وَالثَّالِثُ: يُرَادُ بِهِ الْعَفِيفَةُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ [5] ، مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ [6] . وَالرَّابِعُ: الْمُسْلِمَةُ، وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى: فَإِذا أُحْصِنَّ [7] .
وَقَدِ اخْتَلَفَ أَهْلُ الْعِلْمِ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ، أَعْنِي قَوْلَهُ: وَالْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيُّ، وَأَبُو قِلَابَةَ، وَمَكْحُولٌ، وَالزُّهْرِيُّ: الْمُرَادُ بِالْمُحْصَنَاتِ هُنَا:
الْمَسْبِيَّاتُ ذَوَاتُ الْأَزْوَاجِ خَاصَّةً، أَيْ: هُنَّ مُحَرَّمَاتٌ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ بِالسَّبْيِ مِنْ أَرْضِ الْحَرْبِ، فَإِنَّ تِلْكَ حَلَالٌ وَإِنْ كَانَ لَهَا زَوْجٌ، وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، أَيْ: إِنَّ السِّبَاءَ يَقْطَعُ الْعِصْمَةَ، وَبِهِ قَالَ ابْنُ وَهْبٍ، وَابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ، وَرَوَيَاهُ عَنْ مَالِكٍ، وَبِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ، وَأَصْحَابُهُ، وَأَحْمَدُ، وَإِسْحَاقُ، وَأَبُو ثَوْرٍ. وَاخْتَلَفُوا فِي اسْتِبْرَائِهَا بِمَاذَا يَكُونُ؟ كَمَا هُوَ مُدَوَّنٌ فِي كُتُبِ الْفُرُوعِ. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: الْمُحْصَنَاتُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: الْعَفَائِفُ، وَبِهِ قَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ، وَعَبِيدَةُ السَّلْمَانِيُّ، وَطَاوُسٌ، وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ، وَعَطَاءٌ، وَرَوَاهُ عَبِيدَةُ عَنْ عُمَرَ. وَمَعْنَى الْآيَةِ عِنْدَهُمْ: كُلُّ النِّسَاءِ حَرَامٌ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ، أَيْ: تَمْلِكُونَ عِصْمَتَهُنَّ بالنكاح، وتملكون الرقبة

[1] الأنبياء: 80.
(2) . تزن: تتّهم. وغرثى: جائعة. والمراد أنها لا تغتاب غيرها.
[3] النساء: 25.
[4] المائدة: 5.
[5] النساء: 25.
[6] النساء: 24.
[7] النساء: 27.
اسم الکتاب : فتح القدير المؤلف : الشوكاني    الجزء : 1  صفحة : 516
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست