responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 511
وَكَوْنِ إِيتَاءِ اللهِ تَعَالَى إِيَّاهُمْ ذَلِكَ مِنْ آثَارِ إِحْسَانِهِ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ، وَإِتْقَانِهِ كُلَّ شَيْءٍ صَنَعَهُ إِذِ اخْتَصَّ بَعْضَ أَفْرَادِ هَذَا النَّوْعِ بِفِطْرَةٍ عَالِيَةٍ، وَأَعَدَّ أَرْوَاحَهُمْ لِلْإِشْرَافِ عَلَى عَالَمِ الْغَيْبِ وَتَلَقِّي عِلْمَ الْهِدَايَةِ عَنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ بِوَاسِطَةِ الرُّوحِ الْأَمِينِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ أَوْ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ ; وَبِذَلِكَ كَانُوا نِهَايَةَ الشَّاهِدِ، وَبِدَايَةَ الْغَائِبِ، فِي هَذَا النَّوْعِ الَّذِي جَعَلَ اللهُ مِنَ التَّفَاوُتِ بَيْنَ أَفْرَادِهِ فِي الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ مَا لَا يُعْهَدُ مِثْلُهُ وَلَا مَا يُقَارِبُهُ فِي نَوْعٍ آخَرَ مِنْ أَنْوَاعِ الْأَحْيَاءِ، حَتَّى إِنَّ الْوَاحِدَ مِنْهُمْ لِيَنْهَضُ بِأُمَّةٍ أَوْ أُمَمٍ فَيَرْفَعُ شَأْنَهَا، وَأُلُوفُ الْأُلُوفِ يَكُونُونَ كَالْأَنْعَامِ يُسَخِّرُهُمْ لِخِدْمَتِهِ رَجُلٌ وَاحِدٌ أَوْ آحَادٌ مِنْهُمْ أَوْ مِنْ غَيْرِهِمْ.
(الْمَسْلَكُ الثَّانِي) مَبْنِيٌّ عَلَى مَا عُلِمَ مِنْ فِطْرَةِ الْإِنْسَانِ مِنْ كَوْنِهِ خُلِقَ لِيَعِيشَ مُجْتَمِعًا مُتَعَاوِنًا، يَقُومُ أَفْرَادٌ مُتَفَرِّقُونَ وَجَمَاعَاتٌ مُتَعَاوِنُونَ بِكُلِّ نَوْعٍ مِنْ أَنْوَاعِ الْأَعْمَالِ الَّتِي يَحْتَاجُ إِلَيْهَا فِي حِفْظِ حَيَاتَيْهِ الشَّخْصِيَّةِ وَالنَّوْعِيَّةِ، وَيَظْهَرُ بِهِ اسْتِعْدَادُهُ لِتَسْخِيرِ جَمِيعِ مَا فِي عَالَمِهِ لِمَنَافِعِهِ، وَكَوْنِهِ يَعْمَلُ أَعْمَالَهُ بِحَسَبِ عِلْمِهِ وَشُعُورِهِ وَتَخَيُّلِهِ، وَكَوْنِ أَفْرَادِهِ يَخْتَلِفُونَ فِي ذَلِكَ اخْتِلَافًا يَقْتَضِي التَّنَازُعَ وَالشِّقَاقَ، الَّذِي يُفْضِي إِلَى التَّخَاذُلِ وَالتَّقَاتُلِ إِذَا لَمْ يَتَدَارَكْهُ اللهُ بِهِدَايَةٍ تُزِيلُ الْخِلَافَ وَتُوَحِّدُ الْآرَاءَ وَالْأَهْوَاءَ، وَهَذِهِ الْهِدَايَةُ هِيَ هِدَايَةُ الْوَحْيِ الَّذِي بَعَثَ اللهُ بِهِ الرُّسُلَ، وَإِنَّمَا تُزِيلُ الْخِلَافَ لِأَنَّ اللهَ أَوْدَعَ فِي فِطْرَةِ
الْإِنْسَانِ فَوْقَ كُلِّ مَا ذَكَرَ غَرِيزَةً هِيَ أَقْوَى غَرَائِزِهِ وَأَعْلَاهَا، وَهِيَ غَرِيزَةُ الشُّعُورِ بِوُجُودِ قُوَّةٍ غَيْبِيَّةٍ هِيَ فَوْقَ قُوَّتِهِ وَقُوَى جَمِيعِ عَالَمِ الشَّهَادَةِ الَّذِي يَعِيشُ فِيهِ وَالْخُضُوعُ لِكُلِّ مَا يَأْتِيهِ مِنْ جَانِبِ ذَلِكَ السُّلْطَانِ الْأَعْلَى، فَأَرْسَلَ اللهُ الرُّسُلَ بِالْآيَاتِ الدَّالَّةِ عَلَى تَأْيِيدِهِمْ مِنْ قِبَلِ تِلْكَ الْقُوَّةِ الْعَالِيَةِ، وَالسُّلْطَةِ الْغَالِبَةِ، وَكَوْنِهِمْ يَتَكَلَّمُونَ عَنْ قَيُّومِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ بِمَا جَاءُوا بِهِ مِنَ الْكِتَابِ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِالْقِسْطِ. فَزَالَ مِنْ بَيْنِ الْمُؤْمِنِينَ لَهُمْ كُلُّ خِلَافٍ، وَتَمَهَّدَ لَهُمْ طَرِيقُ السَّيْرِ إِلَى الْكَمَالِ، فَكَانَ الْعَامِلُونَ بِالْكِتَابِ مِنْ كُلِّ أُمَّةِ خِيَارَهَا وَعُدُولَهَا. وَلَوْلَا الْبَغْيُ الَّذِي حَمَلَ آخَرِينَ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْكِتَابِ الْمُزِيلِ لِلْخِلَافِ، لَبَلَغَتْ بِهِ مُنْتَهَى مَا هِيَ مُسْتَعِدَّةٌ لَهُ مِنَ السَّعَادَةِ وَالْكَمَالِ.
مَنْ غَصَّ دَاوَى بِشُرْبِ الْمَاءِ غُصَّتَهُ ... فَكَيْفَ يَفْعَلُ مَنْ قَدْ غَصَّ بِالْمَاءِ؟.
وَمَنْ شَاءَ أَنَّ يَقِفَ عَلَى هَذَا الْبَحْثِ بِالتَّفْصِيلِ، وَرَدِّ مَا يِرِدُ مِنَ الِاعْتِرَاضِ عَلَيْهِ بِالدَّلِيلِ، فَلْيَقْرَأْهُ بِالْإِمْعَانِ وَالتَّدَبُّرِ فِي رِسَالَةِ التَّوْحِيدِ، وَلْيُرَاجِعْ فِي الْجُزْءِ الثَّانِي مِنْ هَذَا التَّفْسِيرِ، مَا نَقَلْنَاهُ عَنِ الْأُسْتَاذِ الْإِمَامِ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى: (كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ) 2: 213 وَقَدْ بَذَّ الْأُسْتَاذُ - أَثَابَهُ اللهُ تَعَالَى - فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ جَمِيعَ الْعُلَمَاءِ وَالْحُكَمَاءِ الَّذِينَ كَتَبُوا فِي بَيَانِ حِكْمَةِ بَعْثَةِ الْأَنْبِيَاءِ، وَلَوْلَا أَنْ طَالَ هَذَا الْجُزْءُ وَتَجَاوَزَ كُلَّ تَقْدِيرٍ لِنَقَلْنَا عِبَارَةَ رِسَالَةِ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 511
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست