responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 483
قَوْمِهِ - رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ إِسْحَاقَ وَابْنِ زَيْدٍ وَاخْتَارَهُ وَقَالَ إِنَّهُ أَوْلَى الْقَوْلَيْنِ بِالصَّوَابِ وَقَدْ يُرَجِّحُهُ فِي اللَّفْظِ عَطْفُ الْآيَةِ التَّالِيَةِ عَلَى هَذِهِ.
وَالَّذِي نَرَاهُ: أَنَّ الْأَمْنَ فِي هَذَا الْكَلَامِ يُقَابِلُ الْخَوْفَ فِيهِ، وَهُوَ الْأَمْنُ مِنْ عَذَابِ الرَّبِّ الْمَعْبُودِ لِمَنْ لَا يَرْضَى إِيمَانَهُ وَعِبَادَتَهُ، فَإِنَّهُمْ خَوَّفُوا إِبْرَاهِيمَ أَنْ تَمَسَّهُ آلِهَتُهُمْ وَأَرْبَابُهُمْ بِسُوءٍ لَجَحْدِهِ إِيَّاهُمْ وَعَدَاوَتِهِ لَهُمْ، فَأَجَابَ بِأَنَّهُ إِنَّمَا يَخَافُ اللهَ وَحْدَهُ وَلَا يَخَافُهُمْ، وَالظُّلْمُ الَّذِي يُلْبَسُ بِهِ الْإِيمَانُ بِاللهِ وَيُخَالِطُهُ، فَيُنْقِصُ مِنْهُ أَوْ يَنْقُضُهُ، هُوَ الشِّرْكُ فِي الْعَقِيدَةِ أَوِ الْعِبَادَةِ، كَاتِّخَاذِ وَلِيٍ مِنْ دُونِ اللهِ يُدْعَى مَعَهُ أَوْ مِنْ دُونِهِ وَلَوْ لِأَجْلِ التَّقْرِيبِ إِلَيْهِ وَالشَّفَاعَةِ عِنْدَهُ. وَيُحَبُّ كَحُبِّهِ، وَيُعَظَّمُ مِنْ جِنْسِ تَعْظِيمِهِ، لِاعْتِقَادِ أَنَّ لَهُ سُلْطَانًا مِنْ وَرَاءِ الْأَسْبَابِ يَنْفَعُ بِهِ وَيَضُرُّ بِذَاتِهِ، أَوْ بِتَأْثِيرِهِ فِي مَشِيئَةِ اللهِ وَقُدْرَتِهِ، وَلَا يَدْخُلُ فِيهِ الظُّلْمُ الَّذِي لَيْسَ مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُلَابِسَ الْإِيمَانَ، كَظُلْمِ الْمَرْءِ نَفْسَهُ بِإِتْيَانِ بَعْضِ الْمَضَارِّ، أَوْ تَرْكِ بَعْضِ الْمَنَافِعِ عَنْ جَهْلٍ أَوْ إِهْمَالٍ أَوْ ظُلْمِ غَيْرِهِ بِبَعْضِ الْأَحْكَامِ أَوِ الْأَعْمَالِ، وَهَذَا التَّفْسِيرُ لِلظُّلْمِ يُبَيَّنُ بِهِ مَا وَرَدَ تَفْسِيرُهُ بِهِ فِي الْحَدِيثِ الْمَرْفُوعِ الَّذِي سَنَذْكُرُهُ.
(فَإِنْ قِيلَ) : إِنَّ الظُّلْمَ فِي الْآيَةِ نَكِرَةٌ فِي حَيِّزِ النَّفْيِ فَهِيَ لِلْعُمُومِ وَالشُّمُولِ، (قُلْنَا) : إِنْ عُمُومَ كُلِّ شَيْءٍ بِحَسَبِهِ فَقَوْلُهُ تَعَالَى: (إِنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) عَامٌّ فِي كُلِّ شَيْءٍ مُمْكِنٍ، وَلَا يَدْخُلُ فِي عُمُومِهِ ذَاتُ اللهِ تَعَالَى وَصِفَاتُهُ الْوَاجِبَةُ لَهُ فَلَا يُقَالُ إِنَّهُ قَادِرٌ عَلَى إِعْدَامِهَا وَلَا عَلَى إِيجَادِهَا وَلَا أَنَّهُ غَيْرُ قَادِرٍ، وَقَوْلُهُ فِي مَلِكَةِ سَبَأٍ: (وَأُوتِيَتْ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ) 27: 23 عَامٌّ فِي كُلِّ مَا يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْمُلُوكُ، لَا كُلِّ شَيْءٍ فِي الْوُجُودِ، فَمَنْ لَمْ يَقْبَلْ جَعْلَ مِثْلِ هَذَا مِنَ الْعَامِّ بِإِطْلَاقٍ، فَلْيَجْعَلْهُ مِنَ الْعَامِّ الَّذِي أُرِيدَ بِهِ الْخَاصُّ، وَقَدْ ذُهِلَ الزَّمَخْشَرِيُّ عَنْ كَوْنِ الْإِيمَانِ هُنَا هُوَ الْإِيمَانُ الْمُطْلَقُ الَّذِي أَثْبَتَهُ الْقُرْآنُ لِلْمُشْرِكِينَ لَا الْإِيمَانُ الصَّحِيحُ الْكَامِلُ الَّذِي جَاءَ بِهِ الرُّسُلُ، وَلِهَذَا الذُّهُولِ جَزَمَ بِأَنَّ الْمُرَادَ بِالظُّلْمِ هُنَا الْمَعَاصِي دُونَ الشِّرْكِ لِأَنَّ الشِّرْكَ لَا يُخَالِطُ الْإِيمَانَ الصَّحِيحَ لِأَنَّهُ ضِدُّهُ وَنَقِيضُهُ، نَقُولُ: نَعَمْ وَلَكِنَّهُ يُخَالِطُ مُطْلَقَ الْإِيمَانِ بِاللهِ تَعَالَى
وَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى فِي الْمُشْرِكِينَ: (وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ) 12: 106.
ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ الْأَمْنَ فِي الْآيَةِ مَقْصُورٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ، فَإِذَا حُمِلَ الْعُمُومُ فِيهَا عَلَى إِطْلَاقِهِ وَعَدَمِ مُرَاعَاةِ مَوْضُوعِ الْإِيمَانِ يَكُونُ الْمَعْنَى: الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَخْلِطُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ مَا لِأَنْفُسِهِمْ - لَا فِي إِيمَانِهِمْ وَلَا فِي أَعْمَالِهِمُ الْبَدَنِيَّةِ وَالنَّفْسِيَّةِ مِنْ دِينِيَّةٍ وَدُنْيَوِيَّةٍ، وَلَا بِغَيْرِهِمْ مِنَ الْمَخْلُوقَاتِ، مِنَ الْعُقَلَاءِ وَالْعَجْمَاوَاتِ - أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ مِنْ عِقَابِ اللهِ تَعَالَى الدِّينِيِّ عَلَى ارْتِكَابِ الْمَعَاصِي وَالْمُنْكَرَاتِ، وَعِقَابِهِ الدُّنْيَوِيِّ عَلَى عَدَمِ مُرَاعَاةِ سُنَنِهِ فِي رَبْطِ الْأَسْبَابِ بِالْمُسَبِّبَاتِ، كَالْفَقْرِ وَالْأَسْقَامِ وَالْأَمْرَاضِ، دُونَ غَيْرِهِمْ مِمَّنْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ أَوْ غَيْرَهُمْ فَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَا أَمَانَ لَهُمْ، بَلْ كُلُّ ظَالِمٍ عُرْضَةٌ لِلْعِقَابِ وَإِنْ كَانَ اللهُ تَعَالَى لِسِعَةِ رَحْمَتِهِ لَا يُعَاقِبُ كُلَّ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 483
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست