responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 484
ظَالِمٍ عَلَى كُلِّ ظُلْمٍ، بَلْ يَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ مِنْ ذُنُوبِ الدُّنْيَا، وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ وَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ فِي الْآخِرَةِ مَا دُونُ الشِّرْكِ بِهِ، وَهَذَا الْمَعْنَى فِي تَفْسِيرِ الْآيَةِ صَحِيحٌ فِي نَفْسِهِ، وَيَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ أَنَّ الْأَمْنَ الْمُطْلَقَ مِنَ الْخَوْفِ مِنْ عِقَابِ اللهِ الدِّينِيِّ وَالدُّنْيَوِيِّ أَوِ الشَّرْعِيِّ وَالْقَدَرِيِّ جَمِيعًا لَا يَصِحُّ لِأَحَدٍ مِنَ الْمُكَلَّفِينَ، دَعْ خَوْفَ الْهَيْبَةِ وَالْإِجْلَالِ، الَّذِي يَمْتَازُ بِهِ أَهْلُ الْكَمَالِ، وَقَدْ صَحَّ إِسْنَادُ الْخَوْفِ إِلَى الْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ (يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ) 16: 5 (وَيَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَيَخَافُونَ عَذَابَهُ) 17: 57 (وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ) 21: 28 وَهَذَا التَّفْسِيرُ يُؤَيِّدُ قَوْلَ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامِ: (إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا) عَلَى مَا تَقَدَّمَ، وَأَمَّا الْأَمْنُ مِنْ عِقَابِ الْآخِرَةِ بِالْفِعْلِ - وَهُوَ النَّجَاةُ مِنْهُ - فَهُوَ ثَابِتٌ لِلْمَلَائِكَةِ وَالْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ، وَلِكَثِيرٍ مِمَّنْ دُونَهُمْ مِنَ الصَّالِحِينَ الَّذِينَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ حِسَابٍ، وَإِنْ لَمْ يَعْلَمْ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا كُلٌّ مِنْهُمْ لِيَبْقَى جَامِعًا بَيْنَ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ. وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُؤْمِنُ فَيَمُوتُ قَبْلَ أَنْ يَظْلِمَ أَحَدًا، وَقَدْ وَرَدَ حَدِيثٌ فِي إِدْخَالِ مِثْلِ هَذَا فِي مَفْهُومِ الْآيَةِ.
وَأَمَّا مَعْنَى الْآيَةِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَوَّلِ فَهُوَ: الَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ تَعَالَى وَلَمْ يَخْلِطُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ عَظِيمٍ - وَهُوَ الشِّرْكُ بِهِ سُبْحَانَهُ - أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ دُونَ غَيْرِهِمْ مِنَ الْعِقَابِ الدِّينِيِّ الْمُتَعَلِّقِ بِأَصْلِ الدِّينِ وَهُوَ الْخُلُودُ فِي دَارِ الْعَذَابِ، وَهُمْ فِيمَا دُونَ ذَلِكَ بَيْنَ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ.
وَرُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ أَنَّهُ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِي إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمِهِ خَاصَّةً لَيْسَ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ. وَلَعَلَّ مُرَادَهُ أَنَّ اللهَ خَصَّ إِبْرَاهِيمَ وَقَوْمَهُ بِأَمْنِ مُوَحِّدِهِمْ مِنْ
عَذَابِ الْآخِرَةِ مُطْلَقًا لَا أَمْنَ الْخُلُودِ فِيهِ فَقَطْ، وَلَعَلَّ سَبَبَ هَذَا إِنْ صَحَّ أَنَّ اللهَ تَعَالَى لَمْ يُكَلِّفْ قَوْمَ إِبْرَاهِيمَ شَيْئًا غَيْرَ التَّوْحِيدِ اكْتِفَاءً بِتَرْبِيَةِ شَرَائِعِهِمُ الْمَدَنِيَّةِ الشَّدِيدَةِ لَهُمْ فِي الْأَحْوَالِ الشَّخْصِيَّةِ وَالْأَدَبِيَّةِ وَغَيْرِهَا. وَقَدْ عَثَرَ الْبَاحِثُونَ عَلَى شَرِيعَةِ حَمُورَابِي الْمَلِكِ الصَّالِحِ الَّذِي كَانَ فِي عَهْدِ إِبْرَاهِيمَ - وَقَدْ بَارَكَهُ وَأَخَذَ مِنْهُ الْعُشُورَ كَمَا فِي سِفْرِ التَّكْوِينِ - فَإِذَا هِيَ كَالتَّوْرَاةِ فِي أَكْثَرِ أَحْكَامِهَا، وَأَمَّا فَرْضُ اللهِ الْحَجَّ عَلَى لِسَانِ إِبْرَاهِيمَ فَقَدْ كَانَ فِي قَوْمِ وَلَدِهِ إِسْمَاعِيلَ لَا فِي قَوْمِهِ الْكَلْدَانِيِّينَ، وَأَمَّا هَذِهِ الْأُمَّةُ فَإِنَّ مِنْ مُوَحِّدِيهَا مَنْ يُعَذَّبُونَ بِالْمَعَاصِي عَلَى قَدْرِهَا ; لِأَنَّهُمْ خُوطِبُوا بِشَرِيعَةٍ كَامِلَةٍ يُحَاسَبُونَ عَلَى إِقَامَتِهَا.
هَذَا - وَأَمَّا حَصْرُ الْأَمْنِ فِيمَنْ ذَكَرَ عَلَى الْوَجْهَيْنِ فَيُؤْخَذُ مِنْ تَكْرَارِ الْإِسْنَادِ ثَلَاثًا وَتَقْدِيمِ الْمُسْنَدِ عَلَى الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ الثَّالِثِ، وَلَوْلَا إِرَادَةُ الِاخْتِصَاصِ لَكَانَ الْكَلَامُ هَكَذَا: الْأَمْنُ لِلَّذِينَ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 484
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست