responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 482
الْبُرْهَانِ عَلَى الْبَاطِلِ. ثَانِيهِمَا: أَنَّهُ لَا يَمْتَنِعُ عَقْلًا أَنْ يُؤْمَرَ بِاتِّخَاذِ تِلْكَ التَّمَاثِيلِ وَالصُّوَرِ قِبْلَةً لِلدُّعَاءِ وَالصَّلَاةِ. وَأَقُولُ: إِنَّ هَذَا الْوَجْهَ لَا مَحَلَّ لَهُ لِأَنَّ جَعْلَهَا قِبْلَةً غَيْرُ جَعْلِهَا شُرَكَاءَ يُخَافُ ضُرُّهَا وَيُرْجَى نَفْعُهَا لِذَاتِهَا أَوْ لِوَسَاطَتِهَا عِنْدَ اللهِ تَعَالَى، فَالْقِبْلَةُ لَا تَأْثِيرَ لَهَا فِي نَفْعٍ وَلَا ضُرٍّ لَا بِالذَّاتِ وَلَا بِالشَّفَاعَةِ كَمَا
يَعْتَقِدُونَ فِي الشُّرَكَاءِ، وَإِنَّمَا يُتَوَّجَهُ إِلَيْهَا امْتِثَالًا لِأَمْرِ اللهِ، وَمِثْلُ ذَلِكَ اسْتِلَامُ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ فِي الطَّوَافِ، فَالِانْتِفَاعُ مَحْصُورٌ فِي طَاعَةِ اللهِ تَعَالَى بِذَلِكَ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يُزَكِّي النَّفْسَ.
ثُمَّ رَتَّبَ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِ عَلَى هَذَا الْإِنْكَارِ التَّعَجُّبِيِّ مَا هُوَ نَتِيجَةٌ لَهُ بِقَوْلِهِ: (فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) الْمُرَادُ بِالْفَرِيقَيْنِ فَرِيقُ الْمُوَحِّدِينَ الْحُنَفَاءِ الَّذِينَ يَعْبُدُونَ اللهَ وَحْدَهُ، وَيَخَافُونَ وَيَرْجُونَهُ وَلَا يَخَافُونَ وَلَا يَرْجُونَ غَيْرَهُ مِنْ دُونِهِ، وَإِنَّمَا يُعَارِضُونَ الْأَسْبَابَ بِالْأَسْبَابِ، وَيُدَافِعُونَ الْأَقْدَارَ بِالْأَقْدَارِ، كَاتِّقَاءِ أَسْبَابِ الْأَمْرَاضِ قَبْلَ وُقُوعِهَا، وَمُدَافَعَتِهَا بِالْأَدْوِيَةِ بَعْدَ الِابْتِلَاءِ بِهَا، وَفَرِيقُ الْمُشْرِكِينَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا تَأْثِيرَ بَعْضِ الْأَسْبَابِ، فَاتَّخَذُوا مِنْهَا مَا اتَّخَذُوا مِنَ الْآلِهَةِ وَالْأَرْبَابِ، بَلْ نَسَبُوا إِلَى بَعْضِهَا النَّفْعَ وَالضُّرَّ بِخِدَاعِ الْمُصَادَفَاتِ وَاخْتِرَاعِ الْأَوْهَامِ، فَهُوَ يَقُولُ لَهُمْ: أَيُّ هَذَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ وَأَجْدَرُ بِالْأَمْنِ عَلَى نَفْسِهِ، مِنْ عَاقِبَةِ عَقِيدَتِهِ وَعِبَادَتِهِ؟ وَنُكْتَةُ عُدُولِهِ عَنْ قَوْلِ: فَأَيُّنَا أَحَقُّ بِالْأَمْنِ، إِلَى قَوْلِهِ: (فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ) هِيَ بَيَانُ أَنَّ هَذِهِ الْمُقَابَلَةَ عَامَّةٌ لِكُلِّ مُوَحِّدٍ وَمُشْرِكٍ، مِنْ حَيْثُ أَنَّ أَحَدَ الْفَرِيقَيْنِ مُوَحِّدٌ وَالْآخِرَ مُشْرِكٌ، لَا خَاصَّةَ بِهِ وَبِهِمْ، فَهِيَ مُتَضَمِّنَةٌ لِعِلَّةِ الْأَمْنِ. وَقِيلَ: إِنْ نُكْتَتَهُ الِاحْتِرَازُ عَنْ تَزْكِيَةِ النَّفْسِ، وَاسْمُ التَّفْضِيلِ عَلَى غَيْرِ بَابِهِ، فَالْمُرَادُ أَيُّنَا الْحَقِيقُ بِالْأَمْنِ، وَلَكِنَّهُ عَبَّرَ بَاسِمِ التَّفْضِيلِ نَاطِقًا فِي اسْتِنْزَالِهِمْ عَنْ مُنْتَهَى الْبَاطِلِ - وَهُوَ ادِّعَاؤُهُمْ أَنَّهُمْ هُمُ الْحَقِيقُونَ بِالْأَمْنِ، وَأَنَّهُ هُوَ الْحَقِيقُ بِالْخَوْفِ - إِلَى الْوَسَطِ النَّظَرِيِّ بَيْنَ الْأَمْرَيْنِ، وَهُوَ أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ، وَاحْتِرَازًا عَنْ تَنْفِيرِهِمْ مِنَ الْإِصْغَاءِ إِلَى قَوْلِهِ كُلِّهِ ثُمَّ قَالَ: (إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ) أَيْ أَيُّهُمَا أَحَقُّ بِالْأَمْنِ - أَوْ إِنْ كُنْتُمْ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ وَالْبَصِيرَةِ فِي هَذَا الْأَمْرِ - فَأَخْبَرُونِي بِذَلِكَ، وَبَيِّنُوهُ بِالدَّلَائِلِ وَهَذَا إِلْجَاءٌ إِلَى الِاعْتِرَافِ بِالْحَقِّ أَوِ السُّكُوتِ عَلَى الْحَمَاقَةِ وَالْجَهْلِ: وَأَمَّا الْجَوَابُ فَهُوَ قَوْلُهُ الْحَقُّ: (الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ) فِي هَذَا الْجَوَابِ احْتِمَالَاتٌ (أَحَدُهَا) أَنَّهُ مِنْ قَوْمِ إِبْرَاهِيمَ: أَيْ تَذَكَّرُوا لَمَّا ذَكَّرَهُمْ وَرَاجَعُوا عُقُولَهُمْ وَفِطْرَتَهُمْ، فَاعْتَرَفُوا بِالْحَقِّ كَمَا اعْتَرَفُوا حِينَ كَسَّرَ أَصْنَامَهُمْ مِنْ بَعْدُ، إِذْ قَالَ لَهُمْ: (بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ فَرَجَعُوا إِلَى أَنْفُسِهِمْ فَقَالُوا إِنَّكُمْ أَنْتُمُ الظَّالِمُونَ ثُمَّ نُكِسُوا عَلَى رُءُوسِهِمْ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا هَؤُلَاءِ يَنْطِقُونَ) 21: 63 - 65 وَقَدْ رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ هَذَا الِاحْتِمَالَ
عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ. (الثَّانِي) أَنَّهُ مِنْ قِبَلِ إِبْرَاهِيمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ صَرَّحَ بِهِ إِذْ سَكَتُوا عَنِ الْجَوَابِ مُفْحَمِينَ مُبَالَغَةً فِي تَبْكِيتِهِمْ، وَقَدْ قَالَ الْآلُوسِيُّ: إِنَّ هَذَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ وَلَمْ أَرَهُ فِي تَفْسِيرِ ابْنِ جَرِيرٍ وَلَا ابْنِ كَثِيرٍ وَلَا الدُّرِّ الْمَنْثُورِ، وَلَعَلَّهُ نَقَلَهُ عَنْ بَعْضِ تَفَاسِيرِ الشِّيعَةِ. (الثَّالِثُ) أَنَّهُ مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ فَصَلَ بِهِ الْقَضَاءَ بَيْنَ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ حَاجَّهُ مِنْ

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 482
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست