responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 46
وَبَعْضِ الْأَوَانِي: كَالْقَرْعِ وَالْمُزَفَّتِ، وَأَنَّ مِنَ النَّاسِ مَنْ يَسْكَرُ بِهَا عِنْدَ أَدْنَى تَغَيُّرٍ يَعْرِضُ لَهَا، أَوْ إِذَا أَكْثَرَ مِنْهَا وَإِنْ لَمْ تَخْتَمِرْ، وَلِأَجْلِ هَذَا اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي النَّبِيذِ، فَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى أَنَّهُ إِذَا صَارَ يُسْكِرُ الْكَثِيرُ مِنْهُ فَشُرْبُ الْقَلِيلِ مِنْهُ يَكُونُ حَرَامًا لِسَدِّ ذَرِيعَةِ السُّكْرِ، وَهُوَ إِنَّمَا يُسْكِرُ كَثِيرُهُ إِذَا تَغَيَّرَ وَلَوْ بِحُمُوضَةٍ قَلِيلَةٍ، وَذَهَبَ بَعْضُهُمْ إِلَى أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ مِنْهُ حِينَئِذٍ إِلَّا الْمِقْدَارُ الْمُسْكِرُ، لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى خَمْرًا فَيَتَنَاوَلُهُ النَّصُّ، فَإِذَا كَانَ مَا يُشْرَبُ مِنْهُ لَمْ يُسْكِرْ فَلَا وَجْهَ لِقِيَاسِهِ عَلَى الْخَمْرِ، فَإِنْ صَارَ بِحَيْثُ يُسْكِرُ فَهُوَ خَمْرٌ لُغَةً وَشَرْعًا، كَمَا هُوَ الْمُتَبَادَرُ مِنْ فَهْمِ الصَّحَابَةِ لِلْآيَةِ، وَمِنْ تَعْلِيلِ عُمَرَ فِي خُطْبَتِهِ لِتَسْمِيَةِ الْخَمْرِ بِأَنَّهَا مَا خَامَرَ الْعَقْلَ، أَوْ شَرْعًا فَقَطْ وَدَلَالَةُ الْحَقِيقَةِ الشَّرْعِيَّةِ أَقْوَى مِنْ دَلَالَةِ الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ فِي الْأَحْكَامِ.
وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ وَالدَّارَقُطْنِيِّ " كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ وَكُلُّ خَمْرٍ حَرَامٌ ".
وَقَدْ غَلِطَ ابْنُ سِيدَهْ فِي اقْتِصَارِهِ عَلَى قَوْلِ صَاحِبِ الْعَيْنِ: الْخَمْرُ عَصِيرُ الْعِنَبِ إِذَا أَسْكَرَ، وَلَعَلَّ سَبَبَ ذَلِكَ أَنَّ خَمْرَ الْعِنَبِ كَانَتْ كَثِيرَةً فِي زَمَنِ تَدْوِينِ اللُّغَةِ، فَظَنَّ بَعْضُهُمْ أَنَّ الْإِطْلَاقَ يَنْصَرِفُ إِلَيْهَا لِكَثْرَتِهَا وَجَوْدَتِهَا، وَنَقْلُ الصَّحِيحَيْنِ وَالْمَسَانِيدِ وَالسُّنَنِ بَيَانَ مَعْنَى الْخَمْرِ عَنِ الصَّحَابَةِ أَصَحُّ مِنْ نَقْلِ جَمِيعِ اللُّغَوِيِّينَ لِلُّغَةِ.
وَلَمَّا لَمْ يَجِدْ مَنِ اطَّلَعَ مِنَ الْحَنَفِيَّةِ عَلَى الْأَحَادِيثِ السَّابِقَةِ وَنَحْوِهَا تَفَصِّيًا مِنْهَا لِلِاتِّفَاقِ عَلَى صِحَّةِ الْكَثِيرِ مِنْهَا حَمَلُوا إِطْلَاقَ لِفَظِ الْخَمْرِ فِيهَا عَلَى الْمُسْكِرِ مِنْ غَيْرِ الْعِنَبِ عَلَى مَجَازِ التَّشْبِيهِ كَمَا فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَى ذَلِكَ بِمَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ عَنِ ابْنِ
عُمَرَ قَالَ: " لَقَدْ حُرِّمَتِ الْخَمْرُ وَمَا بِالْمَدِينَةِ مِنْهَا شَيْءٌ، وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ مُبْهَمَةٌ لَا يُعْرَفُ لِمَنْ قَالَهَا وَبِأَيِّ مُنَاسَبَةٍ قَالَهَا، فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ بَعْضُ النَّاسِ قَدْ ذَكَرَ خَمْرَ الْعِنَبِ، فَقَالَ ابْنُ عُمَرَ مَا مَعْنَاهُ: إِنَّ الْخَمْرَ لَمَّا حُرِّمَتْ لَمْ يَكُنْ يُوجَدُ فِي الْمَدِينَةِ شَيْءٌ مِنْ خَمْرِ الْعِنَبِ، وَإِنَّمَا كَانَتْ خُمُورُ أَهْلِهَا مِنَ التَّمْرِ وَالْبُسْرِ فِي الْغَالِبِ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى كَلَامِهِ أَنَّ اللهَ حَرَّمَ الْخَمْرَ وَلِأَجْلِ هَذَا لَا يُوجَدُ فِي الْمَدِينَةِ مِنْهَا شَيْءٌ بِهَذَا يُجْمَعُ بَيْنَ سَائِرِ الْأَحَادِيثِ وَالْآثَارِ الَّتِي تَقَدَّمَ بَعْضُهَا حَتَّى عَنْهُ وَعَنْ أَبِيهِ وَإِلَّا كَانَتْ مُتَعَارِضَةً، وَلَمَّا كَانَتِ الْعِبَارَةُ مُحْتَمِلَةً لِعِدَّةِ وُجُوهٍ سَقَطَ الِاسْتِدْلَالُ بِهَا عَلَى مَا قَالُوهُ وَلَا يُمْكِنُ الْجَمْعُ بَيْنَهَا وَبَيْنَ مَا عَارَضَهَا بِحَمْلِ مَا خَالَفَهَا عَلَى الْمَجَازِ، لِأَنَّ تِلْكَ الْعِبَارَاتِ تَأْبَى أَنْ تَكُونَ تَشْبِيهًا كَقَوْلِ عُمَرَ فِي خُطْبَتِهِ: " وَنَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ وَهِيَ مِنْ خَمْسَةٍ الْعِنَبِ وَالتَّمْرِ وَالْعَسَلِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ وَالْخَمْرُ مَا خَامَرَ الْعَقْلَ " فَهَلْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: نَزَلَ تَحْرِيمُ خَمْرَةِ الْعِنَبِ وَهِيَ مِنْ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ إِلَخْ؟ أَمْ يُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ: نَزَلَ تَحْرِيمُ مَا يُشْبِهُ الْخَمْرَ فِي

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 46
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست