responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 357
أَنَا لَا أَدَّعِي أَنِّي مَلَكٌ كَمَا يَعْتَقِدُونَ فِي الْمَلَكِ، بَلْ أَنَا بَشَرٌ أَتَّبِعُ مَا يُوحَى إِلَيَّ، وَحِينَئِذٍ يُقَالُ: النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَقَرَّهُمْ عَلَى اعْتِقَادِ تَفْضِيلِ الْمَلَكِ، وَكُلُّ مَا أَقَرَّ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَيْهِ فَهُوَ حَقٌّ، وَلِلْخَصْمِ مَنْعُ الْأُولَى. انْتَهَى كَلَامُ الطُّوفِيِّ، وَمُرَادُهُ بِمَنْعِ الْأُولَى مَنْعُ الْمُقَدِّمَةَ الْأُولَى مِنَ الْقِيَاسِ الَّتِي يُسَمُّونَهَا الصُّغْرَى، وَهِيَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَقَرَّهُمْ عَلَى التَّفْضِيلِ.
وَقَرَّرَ الزَّمَخْشَرِيُّ ذَلِكَ فِي ضِمْنِ تَفْسِيرِ الْآيَةِ، فَقَالَ: أَيْ لَا أَدَّعِي مَا يُسْتَبْعَدُ فِي الْعُقُولِ أَنْ يَكُونَ لِبَشَرٍ مِنْ مُلْكِ خَزَائِنِ اللهِ - وَهِيَ قَسْمُهُ بَيْنَ الْخَلْقِ أَرْزَاقَهُ وَعِلْمَ الْغَيْبِ - وَأَنِّي مِنَ الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ هُمْ أَشْرَفُ جِنْسٍ خَلَقَهُ اللهُ تَعَالَى وَأَفْضَلُهُ وَأَقْرَبُهُ مَنْزِلَةً مِنْهُ، أَيْ لَمْ أَدَّعِ إِلَهِيَّةً وَلَا مَلَكِيَّةً؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بَعْدَ الْإِلَهِيَّةِ مَنْزِلَةٌ أَرْفَعَ مِنْ مَنْزِلَةِ الْمَلَائِكَةِ حَتَّى تَسْتَبْعِدُوا دَعْوَايَ وَتَسْتَنْكِرُوهَا، وَإِنَّمَا أَدَّعِي مَا كَانَ مِثْلَهُ لِكَثِيرٍ مِنَ الْبَشَرِ وَهُوَ النُّبُوَّةُ. اهـ.
وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ الْمُنِيرِ فِي تَعَقُّبِهِ لَهُ: وَهُوَ يَنْبَنِي عَلَى الْقَاعِدَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ فِي تَفْضِيلِ الْمَلَائِكَةِ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ، وَلَعَمْرِي إِنَّ ظَاهِرَ هَذِهِ الْآيَةِ يُؤَيِّدُهُ، فَلِذَلِكَ انْتَهَزَ الْفُرْصَةَ فِي الِاسْتِدْلَالِ بِهَا، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ لِمُخَالِفِهِ أَنْ يَجْعَلَهَا رَدًّا عَلَى إِنْكَارِهِمُ الشُّئُونَ الْبَشَرِيَّةَ عَلَى الرَّسُولِ كَأَكْلِ الطَّعَامِ وَالْمَشْيِ فِي الْأَسْوَاقِ، بِأَنْ يُقَالَ: إِنَّهُ لَمْ يَدَّعِ الْمَلَكِيَّةَ حَتَّى يُسْتَنْكَرَ مِنْهُ ذَلِكَ، وَهَذِهِ التَّفْرِقَةُ بَيْنَ الرَّسُولِ وَالْمَلَكِ لَا تَسْتَلْزِمُ تَفْضِيلًا، وَقَدْ أَرَادَ ابْنُ الْمُنِيرِ بِالْقَاعِدَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ لَهُ مَا ذَكَرَهُ فِي تَفْسِيرِ: (لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا لِلَّهِ وَلَا الْمَلَائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ) (4: 172) وَقَدْ ذَكَرْنَا مُلَخَّصَ مَا قَرَّرَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ فِيهَا وَمَا رَدَّ بِهِ عَلَيْهِ ابْنُ الْمُنِيرِ فِي تَفْسِيرِهَا، وَهِيَ فِي أَوَاخِرِ " سُورَةِ النِّسَاءِ " مِنْ أَوَائِلِ الْجُزْءِ السَّادِسِ.
وَقَالَ الرَّازِيُّ فِي ذَلِكَ: قَالَ الْجُبَّائِيُّ: الْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى أَنَّ الْمَلَكَ أَفْضَلُ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ؛ لِأَنَّ مَعْنَى الْكَلَامِ لَا أَدَّعِي مَنْزِلَةً فَوْقَ مَنْزِلَتِي، وَلَوْلَا أَنَّ الْمَلَكَ أَفْضَلُ لَمْ يَتِمَّ ذَلِكَ. قَالَ الْقَاضِي: إِنْ كَانَ الْغَرَضُ بِمَا نُفِيَ طَرِيقَةَ التَّوَاضُعِ فَالْأَقْرَبُ أَنْ يَدُلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْمَلَكَ أَفْضَلُ، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ نَفْيَ قُدْرَتِهِ عَنْ أَفْعَالٍ لَا يَقْوَى عَلَيْهَا إِلَّا الْمَلَائِكَةُ لَمْ يَدُلَّ عَلَى كَوْنِهِمْ أَفْضَلَ. اهـ.
وَاخْتَارَ أَبُو السُّعُودِ وَتَبِعَهُ الْأَلُوسِيُّ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ ابْنُ الْمُنِيرِ مِنْ كَوْنِ نَفْيِ دَعْوَى
الْمَلَكِيَّةِ لِلرَّدِّ عَلَى اسْتِنْكَارِهِمْ أَكْلَ الطَّعَامِ وَالْمَشْيَ فِي الْأَسْوَاقِ، وَتَكْلِيفِهِمْ إِيَّاهُ نَحْوَ الرُّقِيِّ فِي السَّمَاءِ وَكَوْنِ هَذَا لَا يَقْتَضِي التَّفْضِيلَ فِيمَا هُوَ مَحَلُّ النِّزَاعِ. قَالَ الْأَلُوسِيُّ: وَهَذَا الْجَوَابُ أَظْهَرُ مِمَّا نُقِلَ عَنِ الْقَاضِي زَكَرِيَّا مِنْ أَنَّ هَذَا الْقَوْلَ مِنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ بَابِ التَّوَاضُعِ وَإِظْهَارِ الْعُبُودِيَّةِ نَظِيرَ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: " لَا تُفَضِّلُونِي عَلَى ابْنِ مَتَّى " فِي رَأْيٍ، بَلْ هُوَ لَيْسَ بِشَيْءٍ كَمَا لَا يَخْفَى. وَقِيلَ: إِنَّ الْأَفْضَلِيَّةَ مَبْنِيَّةٌ عَلَى زَعْمِ الْمُخَاطَبِينَ، وَهُوَ مِنْ ضِيقِ الْعَطَنِ. اهـ.
وَمَا نَقَلَهُ الْأَلُوسِيُّ عَنِ الْقَاضِي زَكَرِيَّا لَا بُدَّ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ مَا نَقَلَهُ الرَّازِيُّ عَنِ الْقَاضِي.

اسم الکتاب : تفسير المنار المؤلف : رشيد رضا، محمد    الجزء : 7  صفحة : 357
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست